Page 93 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 93
91 إبداع ومبدعون
قصــة
وضعت الحقيبة على ساقيها من وراء الطاولة، إن ق َّربته إل ّي حتى شممت رائحة عطر فواح ،يقبض
وأخرجت حافظة النقود وهي تتلفت يمينًا ويسا ًرا، عليها الهاتف بلهفة وعشق ،فأصابني دوار لذيذ
ثم قامت بسحب ثلاث ورقات فئة المئة جنيه، ونشوة غامرة ،جعلتني أضغط على شاشته لتزداد
وكررت عدهم ثلاث مرات ،ناولت المبلغ من تحت صورتها وضو ًحا واقترا ًبا ،وأتفحصها جي ًدا في
الطاولة لهذا الصعلوك ،فدسه في حافظة الحساب ثوا ٍن معدودات!
وكان منكم ًشا ،ضئي ًل ،لا أكاد ألمحه من خلال التقطت لها صورة بمفردها دون أن أجعل خطيبها
شاشة -الموبايل -وأنا التقط لهما آخر صورة، الملعون في معيتها ،كانت لوحة فنية لن تتكرر أب ًدا،
ضمن مجموعة سأحتفظ بها ،واحدة وهي في شعرها خيوط حرير تلتصق بشفتيها وأهدابها
كامل أنوثتها ،وواحدة حين عصفت بها المفاجأة الطويلة وأنفها المرسومة بعناية فائقة ،وعلى قدر
كالإعصار المدمر ،والأخيرة عندما ناولته النقود من المستطاع كانت تلملم هذه الخيوط وتجمعها خلف
أذنيها ،وهي تحتفظ بابتسامتها التي ترسلها لي عبر
تحت الطاولة! عدسة الكاميرا لأسجلها للفن وأهديها إلى العالم!
بدأت الفتاة المضطربة تتململ على مقعدها ،ثم ألقت
إلى الشاب ابتسامة باردة ،وهي تومئ إليه برغبتها عدلت بعد ذلك وضع الكاميرا والتقطت صورة
في الرحيل ،ولأول مرة منذ أن كنت أراقبهما ،تمشي تجمعها بالشاب على مضض ،ودون أن أشعر
ناولتها الهاتف وأنا أطيل النظر داخل عينيها
الفتاة كما النساء ،تعقد ذراعيها حول صدرها، الساحرتين ،فأسدلت جفونها في خجل مثير .أخذها
تارك ًة كفيه بلا مأوى! بينما النادلة تقف على مقربة صديقها مني وسار بها ناحية البحر ليستمتعا
منهما ،وعندما صارا بمحاذاتها انحنت لهما مودعة، بالنظر إليه من ع ٍل ،هو يحملق من بعيد في البحر،
وهي تتفحص الصورتين ،وأنا أتابعها من الخلف،
مع ابتسامة ساحرة ،لقد تحرر جمال النادلة وأرى يد الشاب نائمة في هدوء على خاصرتها
وأشرق حين انصرفت الموناليزا!
الملهمة!
ناديت النادلة ،أطلب شرا ًبا أكثر قوة من كؤوسها مر علينا وقت ليس قصي ًرا أب ًدا ونحن على هذا
السابقة ،فلمحت في عينيها نظرة مكر نسائي، الحال ،هما يتأملان البحر وأنا من خلفهما كالظل!
وابتسامة تتوعدني بلحظات صعبة مع كأسها حتى استدار ويدها مقيدة بين أصابعه الخشنة،
يصحبها نحو الطاولة ،وبعد أن استراحا على
القادم ،ثم تهادت في انصرافها كالطاووس ،بعد أن الطاولة ،انشغلت الفتاة بلملمة أغراضها استعدا ًدا
صارت ملكة متوجة أمام عين ّي! للانصراف ،أما هو فقد أشار إلى النادلة لتأتيه
بالحساب ،وقد احتسيا كأسين من عصير الليمون
خلا المكان من الموناليزا وغابت عني النادلة ،ولم الممزوج بالنعناع الأخضر ،ثم عاد وطلب زجاجة
يعد بيني وبين البحر ونسماته الندية سوى طاولة بيرة أفرغها سري ًعا في جوفه ،كأنه يقتل الظمأ!
أمامي مباشرة على مسافة أقل من مترين ،يجلس وضعت النادلة -الفاتنة -الحافظة الجلدية على
الطاولة ثم غادرت ،فما إن فتح الشاب الحافظة
إليها شاب رائع في منتصف العشرينات ،ممس ًكا وأمسك بالفاتورة حتى مال ناحية الموناليزا وهمس
بيد فتاة زنجية ،الفحم أقل منها سوا ًد لكنه يفوقها بكلمات قليلة ،تغير على أثرها الوجه العبقري،
وكساه اضطراب ولفحته حمرة غضب مكبو ٍت،
لمعا ًنا! ولأول مرة أرى الجمال ينزوي في لحظات ،والوردة
أتاه النادل حام ًل تورتة عيد الميلاد ،وضعها على تذبل في طرفة عين! حين كانت تفتش على الطاولة
الطاولة ،ثم أشعل لهما خمسة أصابع تطلق شر ًرا عن حقيبة يدها التي كانت على كتفها ،ولم تشعر
ووه ًجا ألوانه مختلفة! فمنحه الشاب هاتفه كي
بها ،لكن صديقها نبهها!
يلتقط له صو ًرا مع الفتاة المتفحمة وهي تطفئ
شمعة بيضاء منغمسة في تورتة من الشيكولاتة
الداكنة ،وفي الخلفية يشدو «وليد توفيق» بأغنيته
الشهيرة «هابي بيرث داي تو يو».
انصرف النادل ،وأمسك الشاب الوسيم بيد فتاته،
وأخذ يقبل أصابعها وراحة يدها ،ثم قدم لها