Page 216 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 216

‫العـدد ‪26‬‬                            ‫‪214‬‬

                              ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬                        ‫البهيجة‪ ،‬من أجل أقصى‬
                                                               ‫فعل متحرر تشكل في ظل‬
 ‫يحرك الإنسان الحديث‪ ،‬إنه‬        ‫كانت علة ذلك أن ويتمان‬
    ‫نبي الديمقراطية وع َّراف‬   ‫باغت النقاد بالقالب الثوري‬            ‫القوانين السماوية‪،‬‬
                                                                ‫أغني الإنسان الحديث(‪.)6‬‬
‫الوعي الكوني‪ ،‬ومغني أمريكا‬        ‫الذي جاء به‪ ،‬فكانت ردة‬     ‫ومن باب الإنصاف وإحقا ًقا‬
 ‫القومي‪ ،‬وداعية إلى التفاؤل‪،‬‬       ‫الفعل المتناقضة تجاهه‪.‬‬        ‫للحق فإن أي حديث عن‬
‫مؤمن بالتقدم‪ ،‬وليس في هذا‬       ‫ورغم ما تعرض له ويتمان‬          ‫ترجمات ويتمان السابقة‬
  ‫كله ما يمكن أن يلقى ه ًوى‬        ‫من انتقاد من قبل كبار‬         ‫لترجمة س َّلم لا بد وأن‬
 ‫في نفوس الشعراء المحدثين‪،‬‬    ‫الشعراء والنقاد فإن معظمهم‬       ‫تذكر ثلاث ترجمات مهمة‬
                                ‫لم يتثني لهم فكا ًكا من أثر‬  ‫ن ًّوه س َّلم باثنتين منها‪« :‬من‬
        ‫الذين شهدوا حربين‬        ‫شعره‪ ،‬والشاهد على ذلك‬           ‫ديوان أوراق العشب»(‪)7‬‬
    ‫عالميتين أفقدتهم إيمانهم‬     ‫ما نراه من أثر ويتمان في‬        ‫للمترجم القدير الدكتور‬
   ‫بحكمة البشرية‪ ،‬وبغنائية‬     ‫أشعار كل من ت‪ .‬س إليوت‬           ‫ماهر البطوطي‪ ،‬و»أوراق‬
  ‫التاريخ»(‪ .)11‬ليتبدل الوضع‬       ‫‪ T.S Eliot‬وعزرا باوند‬       ‫العشب»(‪ )8‬ترجمة الشاعر‬
 ‫ويصبح ويتمان هو الشاعر‬        ‫اللذين وجها سهام نقدههما‬          ‫العراقي سعدي يوسف‪.‬‬
      ‫الذي «سعى إلى توحيد‬     ‫لويتمان‪ ،‬حتى أن عزرا باوند‬        ‫وأضيف لهما كتاب ثالث‬
   ‫جوانب الخبرة الإنسانية‪،‬‬      ‫كتب عنه قصيدة «معاهدة»‬        ‫مهم بهذا الصدد وهو كتاب‬
‫ووضعها في مكانها الصحيح‬          ‫في ديوانه «تقدمات» فقال‬        ‫«أغنية نفسي»(‪ )9‬للدكتور‬

      ‫على خريطة العالم»(‪.)12‬‬                        ‫فيها‪:‬‬                ‫عابد إسماعيل‪.‬‬
 ‫كما عرج سعدي في مقدمته‬         ‫«إني لأعقد معاهدة معك يا‬        ‫أما كتاب «أوراق العشب»‬
‫على احتفاء ويتمان بالإنسان‬
                                            ‫ولت ويتمان–‬            ‫فقد ترجم فيه الشاعر‬
     ‫العادي البسيط‪ ،‬وجعله‬     ‫لقد أبغضتك بما فيه الكفاية‪.‬‬         ‫العراقي سعدي يوسف‬
     ‫محو ًرا وبط ًل لأشعاره‪،‬‬  ‫وهأنذا أتقدم إليك كطفل شب‬         ‫مختارات كثيرة من شعر‬
   ‫فالبسطاء هم ملح الأرض‬       ‫عن الطوق كان له أب صلب‬           ‫ويتمان من بينها قصيدة‬
    ‫وهم وارثو هذه الأرض‪.‬‬                                         ‫«أغنية نفسي الشهيرة»‪،‬‬
 ‫«إن ويتمان ‪-‬وهو المعروف‬                          ‫الدماغ‬
    ‫بصحبة سائقي العربات‬       ‫لقد تقدمت الآن في السن بما‬            ‫وقدم لهذه المختارات‬
                              ‫ينبغي معه أن أعقد صداقات‪.‬‬         ‫بمقدمة نقدية قيِّمة تناول‬
        ‫والبحارة والنجارين‬    ‫وقد كنت أنت من شق الغابة‬         ‫فيها ما تعرض له ويتمان‬
 ‫والجنود‪ -‬استطاع أن ينتقل‬
 ‫بهم من دار العتمة إلى دائرة‬                     ‫الجديدة‬            ‫من تشويه على أيدي‬
                                    ‫والآن آن أوان النحت‪.‬‬        ‫النقاد‪ ،‬سواء في أمريكا أو‬
      ‫الضوء»(‪ .)13‬البشر عند‬   ‫إننا ننتمي إلى عصارة واحدة‬        ‫في أوروبا‪ ،‬حيث انصرف‬
   ‫ويتمان سواسية كأسنان‬
     ‫المشط‪ ،‬جميعهم يستحق‬                     ‫وجذر واحد‬           ‫بعضهم إلى التركيز على‬
   ‫الاحتفاء به‪ ،‬حتى العاهرة‬                                     ‫«جماليات» شعر ويتمان‬
 ‫لا يقصيها ويتمان أو ينفيها‬    ‫فليكن ثمة علاقات بيننا»(‪)10‬‬   ‫دونما الالتفات إلى ما جاء به‬
 ‫في أشعاره‪ ،‬فها هو يقول في‬         ‫إن هذه الأبيات تمثل ما‬     ‫من أفكار‪ ،‬في حين انصرف‬
 ‫قصيدته «إلى عاهرة عادية»‪:‬‬                                      ‫البعض الآخر إلى التركيز‬
 ‫«كوني هادئة‪ ،‬رابطة الجأش‬     ‫اعترى موقف الأدباء والنقاد‬        ‫على «الأفكار» التي حملها‬
                               ‫من تحول وتبدل تجاه والت‬        ‫شعره دون الالتفات إلى ما‬
             ‫وتبسطي معي‬         ‫ويتمان‪« :‬فقد كانت الموضة‬         ‫فيه من جماليات‪ .‬وربما‬
          ‫فأنا والت ويتمان‬    ‫في مطلع القرن العشرين هي‬
      ‫حر‪ ،‬ومتشه‪ ،‬كالطبيعة‬     ‫الهجوم على ويتمان باعتباره‬
    ‫لن أهجرك حتى تهجرك‬
                                  ‫من مخلفات قرن مضي‪،‬‬
                                ‫ليس في شعره ما يمكن أن‬
   211   212   213   214   215   216   217   218   219   220   221