Page 58 - مسيلة للدموع
P. 58
في الجهة الأخرى من المعتقل ،كان كرم على موعد (و ارء الشمس) ،حسبما قال له العسكري ال ُمكَّلف
بإحضاره إلى مكتب الضابط شكري عايد ،الاسم الذي يهتّز القسم كله لسماعه رغم أنه اسم ُمستعار،
وليس حقيقيا.
شكري عايد ،الضابط الذي ضرب كرم عندما اعترض على تصرفه مع تالا ،إنه يرى نفسه إلها ،فهل يحق
لأحد الاعت ارض على الإله؟!
يبدو أنه قد تق َّصد كرم بالفعل ،ويبدو أن المغامرة (و ارء الشمس) ستكون أكثر سخونة.
كان العسكري ممسكا بكرم من ملابسه ،ودفعه إلى غرفة الضابط بقسوة ،وانهال عليه بوابل من الشتائم
وال ُسباب ،ثم نظر للضابط منتظ ار منه كلمة ثناء على هذا الأداء الجيد؛ ليطمئن أنه قد رضي عنه ،لكن
الضابط لم ُيِعره اهتماما ،ربما اعتاد على ذلك التمّلق ال ُمتكّلف فلم َي ُعد يبهره بعد.
صاح الضابط في العسكري أن ينصرف ،وأن يغلق الباب و ارءه ،كانت ال ُغرفة مكيفة وباردة جدا ،قال كرم
في نفسه ساخ ار :جيد ،هذا لا يوحي بأننا (و ارء الشمس).
كان الضابط جالسا على المقعد ،و ارفعا ساقيه على المكتب الذي أمامه ،وحذاؤه في مقابل كرم ،يجلس
بالقرب منه أحد(صبيانه) من العساكر ،منتظ ار إشارة منه.
نظر الضابط إلى كرم،وحاول أن يتصنع الهدوء كالمعتاد ،وقال بلهجة باردة يعلوها ال ِكبر:
-اعتذر.
سكت كرم ولم يرد.
أعاد الضابط:
-قلت :انح ِن على ركبتيك ،واعتذر.
بدأت الدماء تتدفق في وجه كرم ،حتى تلَّون وجهه كله باللون الأحمر،كنقطة حبر سقطت في كوب ماء.
أحكم الضغط على قبضة يده أكثر ،وقال في إص ارر:
-لم أفعل شيئا يستوجب الاعتذار.
58
مسيلة للدموع