Page 53 - مسيلة للدموع
P. 53
-أنا بخيٍر يا أمي ،لم يحدث لي شيء ،ولكن إسلام صديقي اعتُقل.
صمتن جميعهن ،ولم تِردن إخباره بأن إسلام تمت تصفيته.
وللمرة الثانية يفضح التلفاز الخبر ،فدائما ما يكون التلفاز مفتوحا؛ لمتابعة آ ِخر الأخبار والأحداث الساخنة
على مدار اليوم ،وها هو التوقيت فج ار ،حيث ُيعاد البرنامج على القناة ،وموضوع الحديث اليوم مؤلم
وخطير ،وهو اعتقال الطلاب من جامعاتهم قبل دخول امتحاناتهم ثم تصفيتهم.
كان التلفاز كضجيج غير مسموع ،لا أحد يهتم إلا بقدوم آسر وسماع حديثه ،إلى أن ُسمع دوي جملة
(تصفية الطالب إسلام الكردي بعد اعتقاله من أمام لجنة الامتحانات اليوم).
صاح آسر بفزع:
-لا ،مستحيل،هل قالوا إسلام الكردي؟ إسلام صديقي حقا يا أمي؟!
لم تُجب الأم ،وانهمرت في البكاء ،ولحقنها جميعهن بالبكاء.
جلس آسر مهدودا على الأرض ،ووضع كفيه على وجهه،وبدأ في البكاء المكتوم الذي يبقى صامتا ،حتى
تقطعه تنهيدة عميقة ،فبكاء مكتوم ثم تنهيدة أخرى عميقة.
أحاطته أم آسر بذ ارعيها ،وربتت على كتفه ،وبصوتها الباهت الذي أنهكه البكاء قالت:
-أحرق الله قلوبهم ،لا سامحهم الله ،لا غفر لهم.
تدخلت فاطمة ،وهي غير مستوعبة كيف نجا منهم:
-آسر ،هل كنت معه أثناء اعتقاله؟
رفع عينيه الغارقتين في كفه المملوء بالدموع ،وكانتا شديدتي الاحم ارر ،متلألئتين بالدموع التي ينعكس
عليها الضوء ،فتبدوان وكأنهما تصد ارن ش ار ار من شدة الغضب ،وقال بصوت مهدود ،يتوقف بين كل
عبارة وأخرى آخذا قسطا من البكاء:
-بل كنت معه قبلها بدقائق ،تركته وذهبت لأشتري زجاجتين من العصير قبل بدء الامتحان ،وماهي إلا
دقائق حتى ُعدت ووجدته مكَّبلا بين أيدي هؤلاء الشياطين ،حاولت أن أفعل أي شيء ،لكنهم أدخلوه
السيارة.
53
مسيلة للدموع