Page 61 - مسيلة للدموع
P. 61
تلك هي نهايات شهر ديسمبر؛ برد ،وبرق ،ورعد ،وألم ،وشوق ،وبكاء تحت أغطية غليظة يستخدمها
الناس للتدفئة ،ونستخدمها نحن لإخفاء صوت بكائنا الحار ،عَّل ُه يكتنفنا بح اررته في هذا المناخ البارد.
تلك الأغطية التي نعتبرها مسرح التمثيل خاصتنا ،فنؤدي تحتها أدوار النائمينالمتنعمين بالسكينة والأمان،
لكن أعيننا في الحقيقة نسيت كيف تنام ،ولولا ردة الفعل السريعة التي نغمض فيها أعيننا فو ار ،متظاهرين
بالنوم إذا ما كشف أحٌد عَّنا الغطاء أو أضاء مصباح الغرفة ،لكنا نسينا أصلا كيف نغمضها.
ولكن حتى لا يقلق من حولنا ،ويتساءل عن أحوالنا ،نقرر دائما أن نكون أصحاب دور البطولة تحت
غطاء ذلك المسرح الدافئ.
حسنا ،أيها الجمهور..
فأنا حوري ٌة بدون آسرها
مأسورها خلف أسوار وأسلاك تؤازرها
لا أعلم طريقها ،ولا أدري كيف أسافرها
وتلك القصة الحزينةأنا لا أعر ُف آخرها.
حسنا حسنا ،أيها الجمهور ،ليس عندي اليوم ما أقدمه سوى البكاء ،اذهب لمسرح أم آسر أو فاطمة إن
أردت ،لكنك لن تجد عندهما سوى البكاء أيضا.
لن تجد عندهما معلومات عن آسر ..أين هو الآن؟ هل هو بخير؟ أم أنه تحت التعذيب المفرط؟ هل أكل
أو شرب؟ هل تح َّمل صعق الكهرباء؟ هل ..وهل ..وهل ..لن تعرف أي شيء إطلاقا.
أتعلُم كيف أن جزءا من حياتك تحياه كل يوم ُيسرق فجأة ،ولا تعلم له طريقا!
في الماضي من كان ُيختطف منه شخص أو يضيع كان يطبع منشو ارت ،ويعلق لافتات مكتوب عليها
«ابحث مع الشرطة» ،لكن هذه المرةالشرطة هي من تختطف ،ولا تُعيد ،تقتل ولا تحمي ،تسرق ولا
تصون ،تنتهك ولا ت ارعي أ َّي ُحرمة.
فلتعلم أيها الجمهور ،أن شرطة هذا الوطن آثم ٌة بلا شرف.
61
مسيلة للدموع