Page 218 - m
P. 218

‫العـدد ‪58‬‬                               ‫‪216‬‬

                               ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬                          ‫كواقعة اجتماعية‪ ،‬وهو ما‬
                                                                      ‫يعني وجود علاقة بين‬
   ‫الشرق القائمة‪ .‬لذلك فإن‬     ‫وما يقوم به هو استشراق»‪.‬‬
      ‫«الاستشراق الكامن»‬            ‫وداخل هذا التخصص‬               ‫المعرفة والسلطة من خلال‬
                                                                      ‫إدارة ما يعرفه المجتمع‬
  ‫يتناول أوصاف «البدائية»‬         ‫أنتج سعيد تميي ًزا جدي ًدا‬         ‫ويقبله‪ ،‬حيث كان سؤال‬
‫و»اللاعقلانية» و»الغرائبية»‪.‬‬     ‫بين «الاستشراق الكامن»‬
                               ‫مقابل «الاستشراق الظاهر»‪،‬‬             ‫فوكو الأساسي في كتابه‬
  ‫ولكن اللافت للنظر في هذا‬       ‫وأوضح أن كلاهما ينتمي‬             ‫«الكلمات والأشياء» يدور‬
     ‫هو أن ثمة «إيجابية لا‬                                          ‫حول معنى أن تمثل فكر ًة‬
                                   ‫إلى المؤ ّسسة الإمبرياليَّة‬      ‫ما شيئًا معينًا‪ ،‬حيث كان‬
  ‫شعورية» تسيطر على من‬           ‫وأ َّن الغرب قد جنَّد جي ًشا‬
    ‫يقرأ ما كتبه سعيد هنا‪،‬‬         ‫من الإعلاميِّين والمث َّقفين‬      ‫يأمل من وراء الاعتراف‬
                               ‫لتشويه الإسلام وعرضه في‬           ‫بذلك تطوير مفاهيم للمجتمع‬
‫فيواصل إيمانه لاح ًقا برؤية‬    ‫صور متناقضة ومتعارضة‪،‬‬
  ‫سعيد لما هو «شرقي»‪ ،‬بل‬                                             ‫أكثر دقة‪ .‬وهذا أي ًضا ما‬
   ‫وحتى لو تغيرت مواقفك‬             ‫وتضخيم ك ِّل عمل غير‬           ‫سعى سعيد إلى تحقيقه في‬
    ‫تجاه تلك الرؤية بمرور‬       ‫مقبول يقوم به المسلم‪ ،‬وأ َّن‬     ‫«الاستشراق»‪ :‬الاعتراف بأن‬
    ‫الوقت‪ ،‬فإن أفكار سعيد‬       ‫الثقافة الغربيَّة ثقافة تخدم‬     ‫أفكار الاستشراق غير دقيقة‬
    ‫عن الاستشراق الكامن‬         ‫الهيمنة ومقولات الاحتلال‬          ‫وأنها مجرد تصوير «غربي‬
    ‫تظل حية كمفاهيم عامة‬
   ‫للاستشراق‪ .‬وفي المقابل‪،‬‬                   ‫والاستحواذ‪.‬‬             ‫الصنع» للشرق‪ ،‬وتحدي‬
 ‫يشير الاستشراق الظاهر‬                                           ‫الخطاب لتقديم تمثيلات أكثر‬
     ‫إلى مفاهيم مختلفة عن‬      ‫إمبريالية الاستشراق‬
     ‫الشرق‪ ،‬فهو يغطي أي‬        ‫بين الظاهر والباطن‬                   ‫دقة للمجتمعات الشرقية‪.‬‬
    ‫آراء أو تغييرات متباينة‬                                       ‫وفي سياق ذلك المسعى قدم‬
   ‫أو انتقادات في المعرفة قد‬   ‫وي ِصف سعيد «الاستشراق‬
   ‫تنشأ استجابة لاختلاف‬               ‫الكامن» بأنه الأفكار‬          ‫سعيد تعري ًفا للاستشراق‬
     ‫الفترة الزمنية أو البلد‪.‬‬                                         ‫يتسم بالاتساع الشديد‬
 ‫وهكذا ينفصل الاستشراق‬            ‫المتحيزة من الشرق التي‬
  ‫الظاهر عن الأفكار الثابتة‬     ‫اجترها الغرب مرا ًرا لدرجة‬         ‫باعتباره تخص ًصا أكاديميًّا‬
  ‫لكي يسجل أفها ًما متنوعة‬                                          ‫إذ يقول «إن كل من يقوم‬
                                      ‫أنها أصبحت راسخة‬             ‫بتدريس الشرق أو الكتابة‬
                                   ‫بشدة باعتبارها صورة‬            ‫عنه أو البحث فيه‪ ،‬ويسري‬
                                                                 ‫ذلك سواء أكان المرء مخت ًّصا‬

                                                                                     ‫في علم‬
                                                                                    ‫الإنسان‬
                                                                                     ‫أم علم‬
                                                                                   ‫الاجتماع‬
                                                                                  ‫أم مؤر ًخا‬
                                                                                 ‫أم فقيه لغة‬
                                                                                  ‫في جوانبه‬
                                                                                     ‫المحددة‬
                                                                                 ‫والعامة على‬
                                                                                  ‫حد سواء؛‬
                                                                                    ‫فهو إذن‬
                                                                                  ‫مستشرق‬
   213   214   215   216   217   218   219   220   221   222   223