Page 219 - m
P. 219

‫‪217‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫نعوم تشومسكي‬                  ‫ميشيل فوكو‬                     ‫للشرق‪ .‬ومثل هذه الأساليب‬
                                                                  ‫هي التي ترسم صو ًرا‬
 ‫العرب والإسلام في محاولة‬        ‫ومختت ًما‪ ،‬أم كان لا يزال‬
‫المعرفة والتفهم‪ ،‬بل جعل من‬     ‫مستم ًّرا‪ ،‬لكن في أشكال قد‬    ‫أوضح لماهية الشرق‪ .‬وكان‬
‫نصيبهم الكراهية‪ ،‬والكراهية‬    ‫تكون مختلفة»‪ .‬ولكن القصة‬       ‫التعريف الواسع الذي قدمه‬

      ‫وحدها‪ ،‬بحسب حميد‬             ‫لم تنته مع كتاب سعيد‬        ‫سعيد هو الذي س َّهل مثل‬
    ‫دباشي في كتابه «ما بعد‬    ‫الثاني في الموضوع ولا حتى‬                    ‫هذه الأفكار‪.‬‬
‫الاستشراق‪ :‬المعرفة والسلطة‬
 ‫في زمن الإرهاب»‪ ،‬إذ لم تعد‬       ‫مع الطبعات الأخيرة من‬         ‫وقد حاول إدوارد‪ ‬سعيد‬
 ‫الكراهية هام ًشا في الخطاب‬      ‫«الاستشراق»‪ .‬بل إن ما‬           ‫لاح ًقا في كتابه «الثقافة‬
‫الغربي تجاه الشرق والعرب‬        ‫جاء مع مطلع الألفية كان‬       ‫والإمبريال َّية» الذي نشره‬
    ‫والإسلام‪ ،‬بل صارت في‬          ‫بداية جديدة لاستشراق‬          ‫في ‪ ،1993‬أي بعد خمس‬
 ‫قلب السياسة ودوائر صنع‬       ‫أكثر شراسة و ِح َّدة من ذلك‬      ‫عشر عا ًما من نشر كتابه‬
‫القرار وأنشطة مراكز البحث‬     ‫الذي فكك سعيد أسسه‪ ،‬هو‬           ‫«الاستشراق» الإجابة على‬
   ‫وجماعات المصالح وحتى‬                                           ‫التساؤلات التي أثارها‬
     ‫المواقف الرسمية‪ .‬ولعل‬            ‫الاستشراق الجديد‪.‬‬      ‫الكتاب الأول واستكمال تلك‬
   ‫أبرز أمثلة ذلك هو خطاب‬                                     ‫التساؤلات‪ .‬لقد أراد بشكل‬
    ‫الرئيس الأميركي دونالد‬    ‫الاستشراق الجديد‪..‬‬            ‫ما أن يفرد جناحيه فوق عالم‬
 ‫ترامب أمام قادة دول العالم‬   ‫العالم ما بعد سعيد‬            ‫أعظم م ًدى ورحابة من العالم‬
  ‫الإسلامي في السعودية في‬                                      ‫الذي غ َّطاه «الاستشراق»‪،‬‬
‫منتصف ‪ ،2017‬حيث تحدث‬          ‫لم يشهد إدوارد سعيد الذي‬           ‫لأن الكتاب يت ِّمم مسائل‬
 ‫بنبرة أبوية وصائية مطالبًا‬       ‫توفي في سبتمبر ‪2003‬‬            ‫وقضايا «الاستشراق»‪.‬‬
 ‫إياهم بأخذ زمام المبادرة في‬                                      ‫ينطلق إدوارد في كتابه‬
 ‫مكافحة ما أسماه «الإرهاب‬      ‫كل تحولات ما بعد العصر‬          ‫من ربط الإمبرياليّة بالتِّيه‬
                                  ‫الكلاسيكي للاستشراق‬       ‫الاستعماري‪ ،‬فالثقافة الغربيَّة‬
                                                            ‫ثقافة تخدم الهيمنة ومقولات‬
                              ‫الأوروبي‪ ،‬لأن النمط الجديد‬          ‫الاحتلال والاستحواذ‪،‬‬
                              ‫من الاستشراق لم يعد ُيدرج‬        ‫ولكي نستطيع تحليل تلك‬
                                                              ‫العلاقة الوطيدة بين الثقافة‬
                                                                 ‫والإمبرياليَّة رأى أننا لا‬
                                                                 ‫ب َّد أن ننطلق من القاعدة‬
                                                                 ‫التي تقول‪« :‬إ َّن استثارة‬

                                                                   ‫الماضي هي بين أكثر‬
                                                               ‫الاستخطاطيَّات شيو ًعا في‬
                                                             ‫تأويلات الحاضر‪ .‬وما ينفح‬
                                                                ‫مثل هذه الاستخطاطيَّات‬
                                                               ‫بالحياة‪ ،‬ليس الخلاف على‬

                                                                 ‫ما حدث في الماضي وما‬
                                                             ‫ُكنه الماضي فحسب‪ ،‬بل هو‬
                                                               ‫أي ًضا اللايقين م َّما إذا كان‬
                                                             ‫الماضي ماضيًا فع ًل‪ ،‬منتهيًا‬
   214   215   216   217   218   219   220   221   222   223   224