Page 228 - m
P. 228

‫العـدد ‪58‬‬         ‫‪226‬‬

                                                          ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬     ‫الطعن في الفكر الديني أو‬
                                                                           ‫الإيمان بشكل عام‪ ،‬هذه‬
   ‫فلم يسبق مث ًل للمجتمع‬        ‫ضد الفرس والعثمانيين‬                       ‫ظاهرة معرفية منها ما‬
   ‫المصري أن رصد ثقافة‬           ‫خلال القرنين ‪ 18‬و‪19‬م‬                   ‫كان محصو ًرا في محاولات‬
   ‫وحركة المصريين مثلما‬      ‫انتصرت فيها كلها‪ ،‬وكسبت‬                   ‫التعرف على عادات وثقافات‬
‫فعل علماء الحملة الفرنسية‬                                                  ‫الشرق أوسطيين‪ ،‬مثلما‬
                                    ‫أراضي من الدولتين‬                   ‫كتب المستشرق الإنجليزي‬
      ‫في موسوعة «وصف‬             ‫وشعوب كثيرة انضمت‬
    ‫مصر»‪ ،‬وهي موسوعة‬             ‫لسلطة القيصر‪ ..‬أي أن‬                          ‫«إدوارد لين» كتابه‬
 ‫شاملة كتبها مستشرقون‬         ‫التاريخ يشهد بأن الدولتين‬                 ‫«عادات المصريين المحدثين‬
 ‫فرنسيون كانوا متواجدين‬        ‫العثمانية والفارسية كانتا‬                 ‫وتقاليدهم‪ -‬مصر ما بين‬
‫مع الجيش الفرنسي بهدف‬                                                    ‫‪ ،»1835 -1833‬وقد كان‬
‫التعرف على مصر وشعبها‬              ‫مصدر استرقاق دائم‬                   ‫رحالة في مصر خلال القرن‬
  ‫وتاريخها‪ ،‬وكان أبرز ما‬     ‫للشعوب البيضاء والسوداء‬                     ‫‪ 19‬فكتب مشاهداته خلال‬
     ‫وجدوه وكان محور ًّيا‬     ‫م ًعا‪ ،‬وعندما نجحت روسيا‬                    ‫‪ 3‬أعوام في نهايات عصر‬
    ‫‪-‬لدرجة تفسير تاريخ‬
 ‫المصريين القدماء به‪ -‬هو‬       ‫في معاركها ضد الدولتين‬                      ‫محمد علي باشا‪ ..‬وكان‬
  ‫اكتشافهم «لحجر رشيد»‬         ‫حرمت شعوب هذه الدول‬                       ‫ممن شهد بوجوده ظاهرة‬
 ‫وفك رموزه اللغوية‪ ،‬الذي‬     ‫من العبيد البيض في أرمينيا‬                  ‫(العبيد البيض) في مصر‪،‬‬
‫عن طريق ذلك عرف العالم‬                                                 ‫وهذا كان معرو ًفا وقتها بأن‬
   ‫تاريخ مصر القديم على‬           ‫وأذربيجان والشركس‬                     ‫العبودية لم تكن محصورة‬
‫وجه الدقة‪ ،‬بعدما ظل أكثر‬     ‫والتركمان وبلغاريا والقرم‪..‬‬                 ‫في السود بل تجار الرقيق‬
  ‫من ‪ 2000‬عام مجهو ًل‪.‬‬
   ‫أذكر ما قاله المستشرق‬                ‫ومناطق أخرى‪.‬‬                         ‫كانوا يذهبون للقوقاز‬
    ‫«إدوارد لين» أي ًضا من‬   ‫هذه ميزة ُكتَّاب الاستشراق‪،‬‬                  ‫وآسيا الوسطى والبلقان‬
    ‫أن العبيد البيض كانوا‬                                               ‫واليونان لاسترقاق وشراء‬
‫يعيشون في منازل الأثرياء‬            ‫أنهم رصدوا مجتمع‬                     ‫عبيد بيض من سكان تلك‬
 ‫لأن ثمنهم المرتفع لا يقدر‬      ‫المسلمين في وقت وعصر‬
  ‫عليه ذوي الطبقتين الدنيا‬                                                               ‫المناطق‪.‬‬
    ‫والمتوسطة‪ ..‬خصو ًصا‬           ‫لم يكن يتسنى لشيوخ‬                   ‫بقراءة ما كتبه «إدوارد لين»‬
  ‫النساء‪ ،‬أما العبيد السود‬       ‫المسلمين أن يتحدثوا في‬
‫فكان ثمنهم منخف ًضا رجا ًل‬      ‫مواضيع حساسة وذات‬                       ‫تلحظ أن العبودية البيضاء‬
  ‫ونسا ًء‪ ،‬والمسلم وقتها لم‬   ‫شأن سياسي أو اجتماعي‪،‬‬                      ‫اختفت من مصر والشرق‬
    ‫يكن يفضل أن يشتري‬         ‫محظور أو غير معروف أو‬
  ‫جارية سوداء ليضاجعها‬         ‫لا يدركه المسلمون آنذاك‪،‬‬                    ‫الأوسط لصالح عبودية‬
    ‫بل عبد أسود ليخدمه‪..‬‬                                                    ‫السود بعد هذه الفترة‬
‫عدا بعض الحبشيات ذوات‬                                                       ‫بقليل‪ ،‬أي بعد الحروب‬
    ‫الجمال والدلال المفضل‬                                                    ‫الروسية ضد ك ٍّل من‬
                                                                       ‫(الفرس والعثمانيين) ودائ ًما‬
     ‫عند المصريين‪ ..‬ولأن‬                                                    ‫كان الروس ينتصرون‬
     ‫لونهم مقارب للشعب‬                                                   ‫في تلك المعارك‪ ،‬فيكسبون‬
    ‫النوبي في جنوب مصر‬                                                   ‫الأرض علاوة على ثورات‬
 ‫خصو ًصا شعب الأورومو‬                                                    ‫أهل البلقان واليونان ضد‬
                                                                        ‫المحتل العثماني‪ ..‬علما بأن‬
                                                                          ‫روسيا خاضت ‪ 6‬حروب‬
   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232   233