Page 232 - m
P. 232

‫العـدد ‪58‬‬                                                           ‫‪230‬‬

                              ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬                                                    ‫د‪.‬قاسم المحبشي‬

‫أصبحت تشكل الإطار الثقافي‬            ‫تمهيد‬                  ‫تمثيل الاستشراق للحضارة الإسلامية‬‫(اليمن)‬
 ‫النظري والمنهجي والمرجعي‬                                       ‫أرنولد توينبي نموذجً ا‬
                                ‫الاستشراق بوصفه‬
     ‫لكل من أراد التفكير في‬
       ‫الشرق والكتابة عنه‪.‬‬        ‫تمثيل الغرب للشرق هو‬
                                   ‫حصيلة خبرة تاريخية‬
   ‫إذ إن أرنولد توينبي الذي‬        ‫متراكمة لشبكة واسعة‬
   ‫نشأ في مدينة الاستشراق‬        ‫من الممارسات والعلاقات‬

     ‫وعاصمة الإمبراطورية‬              ‫والتفاعلات الثقافية‬
    ‫الروبنكروزية لم يكن له‬       ‫والحضارية والمدنية‪ ،‬بين‬
 ‫الخيار بين أن يستشرق مع‬         ‫الشرق والغرب‪ ،‬بين الأنا‬
  ‫المستشرقين أم لا‪ ،‬لقد كان‬
 ‫يعيش الاستشراق ويتنفسه‬           ‫والآخر‪ ،‬بين نحن وهم‪.‬‬
  ‫منذ طفولته‪ ،‬ولسنا بحاجة‬           ‫هذه العلاقة التي نمت‬
 ‫إلى إيراد المزيد من الشواهد‬        ‫وتطورت عبر التاريخ‬
‫على استشراق توينبي لإقناع‬        ‫في مسارات متقاطعة من‬
                               ‫الفهم وسوء الفهم‪ ،‬والشدة‬
      ‫أولئك الذين يصورون‬        ‫واللين‪ ،‬والحوار والصدام‪،‬‬
    ‫توينبي وكأنه العصفور‬         ‫والسلم والحرب‪ ،‬والندية‬
‫الذي يحلق بعي ًدا عن السرب‬    ‫والتبعية‪ ،‬والتكافؤ والهيمنة‪،‬‬
‫متفرد النغم واللحن أو كنجم‬     ‫والقوة والضعف‪ ،‬والتحدي‬
   ‫ش َّذ عن مداره‪ ،‬إذ لم نجد‬   ‫والاستجابة‪ ،‬وغير ذلك من‬
  ‫في كل الكتابات والدراسات‬     ‫تجليات التوتر والاضطراب‬
      ‫العربية والأجنبية التي‬    ‫في جدل التماس والصراع‬
‫تناولت توينبي أية إشارة إلى‬          ‫بين الشرق والغرب‪،‬‬
  ‫استشراقه الواضح مع أن‬           ‫بين القوة والضعف منذ‬
   ‫كل الدلائل تشير إلى ذلك‪،‬‬     ‫الاستشراق الأول المحمول‬
                                     ‫على رؤوس الحروف‬
                    ‫ومنها‪:‬‬      ‫الإغريقية الأكاديمية حتى‬
       ‫أو ًل‪ :‬عاش توينبي في‬    ‫الاستشراق الأخير المحمول‬
   ‫أوج ازدهار الإمبراطورية‬         ‫على رؤوس الصواريخ‬
        ‫البريطانية وتوسعها‬       ‫البالستية الأوروأمريكية‪.‬‬
 ‫الاستعماري باتجاه الشرق‪،‬‬         ‫وإذا نظرنا إلى ما قام به‬
      ‫الهند والصين ومصر‬       ‫توينبي في دراسته الحضارة‬
  ‫والعراق وفلسطين واليمن‬            ‫الإسلامية وحضارات‬
   ‫والسودان‪ ..‬إلخ‪ .‬ومن ثم‬           ‫الشرق عام ًة في ضوء‬
     ‫فقد كانت الحاجة ماسة‬      ‫المفهوم الواسع للمستشرق‬
  ‫لمعرفة المزيد من المعلومات‬       ‫والاستشراق لتبين لنا‬
‫عن الشرق وأهله وحضارته‬           ‫أنه ينتمي بروحه وفكره‬
   ‫وتاريخه وثقافته وعقائده‬       ‫وجسده إلى تلك المؤسسة‬
 ‫وأنماط سلوك ناسه وردود‬        ‫الاستشراقية الراسخة التي‬
    ‫أفعالهم وأسرار حياتهم‬
    ‫وأساليب تفكيرهم‪ ..‬الخ‪.‬‬
   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237