Page 52 - m
P. 52

‫العـدد ‪58‬‬   ‫‪50‬‬

                                                       ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

   ‫مال كثير‪ ،‬وأطلق لحيته‪ ،‬ولكنه قال في المسجد عن‬           ‫وكان من الطبيعي أن تأخذ شخصية عبد الحليم‬
 ‫جمال الابن الأكبر لأبو جمال إنه يفعل المنكر ولا بد‬            ‫وكنيته أبو جمال وابنه جمال وباقي الأولاد‬
‫من تغيير هذا المنكر‪ ،‬وكان المنكر الذي يقصده الشيخ‬
  ‫حسن هو أن جمال يعيش مع امرأته على الرغم من‬                ‫وزوجاتهم أكبر الكتل السردية في هذه الرواية‪.‬‬
 ‫أنه طلقها ثلاث طلقات‪ ،‬مما جعل أبو جمال وأولاده‬           ‫وهنا يظهر هذا البيت المكون من خمسة أدوار على‬
  ‫يطردونه من منزلهم‪ ،‬وبعد رحيله عن البيت توقف‬           ‫شقتين باعتباره بيتًا متمي ًزا في منطقة منشية ناصر‬
‫السرد تما ًما عن الكشف عن مصيره بعد هذا الرحيل‪.‬‬
                                                                                            ‫العشوائية‪.‬‬
    ‫أما شخصية الممرضة ‪-‬التي كانوا يطلقون عليها‬            ‫وبذا فإن هذه الرواية تعد رواية مكان‪ ،‬لأن المكان‬
  ‫الدكتورة‪ -‬فقد تم إجبارها على الرحيل أي ًضا‪ ،‬حيث‬         ‫فيها يأخذ بع ًدا محور ًّيا شديد الوضوح‪ ،‬وقد ظهر‬
‫كانت تعيش مع أختها المتزوجة‪ ،‬ولكن أختها طردتها‬             ‫من خصائصه أنه مكان يابس في مدينة القاهرة‪،‬‬
‫من بيتها بعد أن رأت زوجها يتلصص عليها‪ ،‬وجاءت‬            ‫وهو مكان عشوائي‪ ،‬يتميز بالضيق الشديد والزحام‬
‫فسكنت في بيت أبو جمال‪ ،‬وتركت التمريض وخدمت‬                ‫الدائم‪ ،‬ويكشف عن الطبقات المهمشة التي تسكنه‪،‬‬
   ‫في بيوت الممثلات‪ ،‬ثم تفرغت لبيع جسدها بمقابل‬        ‫مما جعل بعض سكانه يلجأون لأساليب غير شريفة‬
 ‫مادي بعلم أبو جمال الذي أخذ نصف دخلها‪ ،‬ولكي‬           ‫لكسب المال اللازم لحياتهم‪ ،‬وهذه الأساليب كثي ًرا ما‬
 ‫يبعد عن بيته السمعة السيئة دبر مكيدة استطاع بها‬        ‫يصل بعضها إلى درجة الجريمة المنكرة التي يعاقب‬
‫أن يطلق أختها من زوجها وجعلها تتزوج زوج أختها‬
‫الذي يأتيها يو ًما واح ًدا في الأسبوع‪ ،‬وباقي الأسبوع‬                                      ‫عليها القانون‪.‬‬
                                                        ‫وكشف السارد بالتالي عن طبيعة العلاقة بين سكان‬
     ‫للزبائن‪ ،‬وكان ذلك نظير مبلغ محترم مما جعله‬        ‫هذا البيت‪ ،‬فهم دائ ًما في علاقات قلقة ج ًّدا‪ ،‬وكل منهم‬
   ‫يوافق‪ ،‬ولكنها رفضت أن تمكن جمال من نفسها‪،‬‬            ‫يترصد للآخر‪ ،‬ويحاول أن يمسك عليه الز َّلت حتى‬
 ‫مما جعل أبو جمال وأولاده يطردونها من البيت بعد‬
                                                                         ‫يستطيع استغلالها وقت اللزوم‪.‬‬
                                   ‫خناقة كبيرة‪.‬‬              ‫كما أن شخصيات الرواية ظهرت لنا من خلال‬
       ‫وقد كشف السارد عن خطة أبو جمال الدائمة‬             ‫المنظور السردي لهذا السارد المشارك‪ ،‬حيث كانت‬
     ‫في تسكين الشقق الفارغة في بيته‪ ،‬حيث ذكر في‬        ‫سلطته السردية كبيرة ج ًّدا في مقابل انحسار السلطة‬
    ‫(ص‪ )53‬أن له شرطين في ذلك التسكين‪ :‬الشرط‬                 ‫السردية لهذه الشخصيات‪ ،‬لأننا نتلقى في الأعم‬
    ‫الأول هو أن يكون الساكن من الصعيد‪ ،‬والشرط‬           ‫الأغلب سرده عنهم‪ ،‬ولا نتلقى سردهم عن أنفسهم‪.‬‬
    ‫الثاني أن تكون له زلة ما يستخدمها ضده وقت‬           ‫ومن الملاحظ أن هناك شخصيات مقيمة إقامة دائمة‬
                                                           ‫في هذا البيت‪ ،‬وشخصيات تقيم في البيت فترة ثم‬
                                         ‫اللزوم‪.‬‬         ‫تغادره‪ ،‬ومن الطبيعي أن يكون أبو جمال وزوجته‬
  ‫وقد ظهر الاختلاف الواضح للنماذج البشرية التي‬           ‫وأولاده وزوجاتهم من المقيمين إقامة دائمة‪ ،‬لأنهم‬
                                                       ‫أصحاب البيت‪ ،‬ولكن هناك شخصيات كانت تقيم في‬
              ‫اشتغل عليها السارد المشارك بسرده‪.‬‬          ‫البيت فترة ثم تغادره إلى مكان آخر‪ ،‬وهذه المغادرة‬
         ‫ومن هنا فقد اتخذت هذه الرواية «لصوص‬           ‫تم إجبارهم عليها‪ ،‬على نحو ما نجد من الشيخ حسن‬
   ‫متقاعدون» للروائي المصري حمدي أبو جليل من‬                  ‫والممرضة التي كانوا يطلقون عليها الدكتورة‪.‬‬
‫تقنية السارد المشارك نس ًقا معتم ًدا‪ ،‬جعلتنا نتلقى من‬  ‫أما الشيخ حسن فقد تعرف على أبو جمال وكل منهما‬
‫خلاله هذا السرد الذي يتفاعل مع شخصيات ونماذج‬           ‫ينتظر الإذن بالدخول على الشيخ الأزهري لأخذ رأيه‬
  ‫بشرية مختلفة‪ ،‬في بنية زمكانية ذات طبيعة خاصة‬          ‫في مشكلته الأساسية‪ ،‬وكانت مشكلة حسن أنه ترك‬
        ‫تركت بصمتها واضحة على المسار السردي‬               ‫النجع الذي جاء منه‪ ،‬لأنه وقع على حماته وأصبح‬
                                                           ‫من المستحيل أن يظل في النجع‪ ،‬فأخذه أبو جمال‬
                                   ‫‪--------‬‬
                                                                      ‫للبيت وجعله يسكن في إحدى شققه‪.‬‬
   ‫أستاذ الأدب والنقد‪ ،‬جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة‬     ‫وظل حسن منكس ًرا حتى عمل بالتجارة وأصبح لديه‬

                                       ‫والآداب‪.‬‬
   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57