Page 48 - m
P. 48

‫العـدد ‪58‬‬                           ‫‪46‬‬

                                                             ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

‫د‪.‬عايدي علي جمعة‬

‫السارد المشارك في رواية‬
‫«لصوص متقاعدون»‬
‫لحمدي أبو جليل‬

‫الرواية تعد رواية مكان‪ ،‬لأن المكان يأخذ بع ًدا محور ًّيا‪ ،‬وقد ظهر من‬
‫خصائصه أنه مكان يابس في مدينة القاهرة‪ ،‬وهو مكان عشوائي‪ ،‬يتميز‬
‫بالضيق والزحام الدائم‪ ،‬ويكشف عن الطبقات المهمشة التي تسكنه‪،‬‬
‫مما جعل بعض سكانه يلجأون لأساليب غير شريفة لكسب المال اللازم‬
‫لحياتهم‪ ،‬وهذه الأساليب كثي ًرا ما يصل بعضها إلى درجة الجريمة‪.‬‬
‫وكشف السارد عن طبيعة العلاقة بين سكان هذا البيت‪ ،‬فهم دائ ًما في‬
‫علاقات قلقة‪ ،‬وكل منهم يترصد للآخر‪ ،‬ويحاول أن يمسك عليه الز َّلت‬
‫حتى يستطيع استغلالها وقت اللزوم‪.‬‬

              ‫انتشرت بكثرة عبر الإبداع الروائي‪.‬‬        ‫يتكون عنوان رواية «لصوص متقاعدون» في‬
 ‫وتتكون الرواية من سبع عشرة كتلة سردية‪ ،‬وهذه‬
                                                       ‫كلماته الظاهرة من كلمتين‪ :‬لصوص‪ /‬متقاعدون‪،‬‬
   ‫الكتل السردية مرقمة ترقي ًما حسابيًّا‪ ،‬تنهض بما‬  ‫وهما اسمان‪ :‬الأول منهما جمع تكسير‪ ،‬والثاني جمع‬
                             ‫تنهض به الفصول‪.‬‬
                                                     ‫مذكر سالم‪ ،‬وقد ارتبطا بعلاقة قوية ج ًّدا هي علاقة‬
  ‫وقد كان السارد المشارك هو النمط المعتمد في هذه‬       ‫الصفة بالموصوف‪ .‬ومن هنا فإن الكلمات الظاهرة‬
    ‫الرواية‪ ،‬والسارد المشارك هو ذلك السارد الذي‬      ‫في العنوان تخلو من الفعل بما فيه من حركة عارمة‪،‬‬

 ‫يكون مشار ًكا في أحداث الرواية‪ ،‬ويأخذ نصيبه من‬                              ‫وتخلو أي ًضا من الحرف‪.‬‬
                                       ‫أحداثها‪.‬‬       ‫وتبدو العلاقة بين الكلمتين لافتة بالنسبة للمتلقي‪،‬‬
                                                    ‫فكلمة «لصوص» تثير لديه معاني السلب والاحتيال‪،‬‬
   ‫وقد اتخذ هذا السارد المشارك من البيت رقم ‪36‬‬
    ‫شارع ‪ 14‬بمنشية ناصر مجا ًل محور ًّيا لسرده‪،‬‬            ‫والحركة المخاتلة‪ ،‬في حين نجد وصفها بكلمة‬
  ‫حيث تجول بسرده عبر شقق هذا البيت وقاطنيه‪،‬‬          ‫«متقاعدون» تحرك مؤشر الدلالة عكس ذلك‪ ،‬لتفتح‬
    ‫ملقيًا الضوء على صفاتهم وأفعالهم وتشابكاتهم‬       ‫المجال في ذهنه لعدم ممارسة فعل اللصوصية الآن‬

                                ‫ورؤيتهم للعالم‪.‬‬                                ‫لدى هؤلاء اللصوص‪.‬‬
   ‫وقد تميز هذا السارد بالثقافة الواسعة على الرغم‬       ‫فإذا غادرنا العنوان إلى متن الرواية نفسها فإننا‬
‫من أنه في الأصل عامل بناء‪ ،‬وقد ظهر ذلك من خلال‬         ‫نجدها تقع في مائة وسبع وعشرين صفحة‪ ،‬وهنا‬
 ‫تشبيهاته‪ ،‬وربط شخصياته بأسماء أبطال وبطلات‬              ‫يبدو جليًّا أنها ليست من الروايات الطويلة التي‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53