Page 43 - m
P. 43
41 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
«قيام وانهيار آل مستجاب» ويبدو محمد مستجاب العرقي بل أي ًضا إلى مهنته ككاتب مثل قوله« :أعزي
أحد الآباء الشرعيين لتجربة أبو جليل ،ليس فقط في نفسي بالروائي ،الذي لا بد أن يكون ح َّطا ًبا وطالع
حساسية العنونة والتناص معها ،ولا في التعبير عن نخل وقصاص أثر» .أو «جيبت سيرتهم ف الفاعل»
بيئة مهمشين كالعرب على تخوم المدن ،أو الصعايدة،
وإنما في طبيعة اللغة وتدفقها وحساسيتها ،ونبرتها مشي ًرا إلى عنوان إحدى رواياته.
الساخرة اللاذعة ،بمنطق أن شر البلية ما يضحك. إنه لا ُيخفي أصابعه ،ولا يخترع عالمًا سرد ًّيا
في مقاطع كثيرة سردها الراوي بدا أن قيمتها تنبع مده ًشا ،إذا كان بالفعل قد عاش حكاية مثيرة
من الطرافة والمفارقة الهزلية ،فثمة مواقف جنسية تستحق أن ُتروى .لماذا يحتاج إلى الكذب الروائي إذا
أشار إليها بلغة مباشرة ،ليس احتفاء بالإيروسية كان الواقع أكثر إثارة من الخيال؟
بل بالنكتة والمفارقة ،ومن ذلك حين يأخذ شريكة مع ذلك هو لا يقيم تعاق ًدا مع قارئه بأن كل ما
صديقه البرازيلي للفراش ثم يتضح له أنها ليست سيقوله يدخل تحت بند السيرة والحقيقة ،فقط ُيوهم
أنثى! أو أثناء الفحص الصحي لمجموعة المهاجرين بذلك ،ثم يترك المتلقي حائ ًرا في تخميناته بين ما وقع
فتطمع موظفة في شاب سوداني ،أو صديقه الأعرج
الذي كان يقف متباهيًا بعضوه الذكري في إيطاليا. فع ًل وما اختلقه لدواعي السرد.
ينطلق في رحلة التخييل من الذات ،لكنه لا يتوقف
فعلى مستوى اللغة وسرد المواقف تحضر روح عندها ،وربما ضم إليها حكايات الأهل والجيران
مستجاب ،لكن على مستوى بناء المقاطع المشهدية
والآخرين من «الصاد شين» الذين التقاهم.
والانتقال بالتوازي بين ما يتذكره في ليبيا وما وقدم مقاطعه القصيرة بلغة شفاهية على طريقة
يعيشه في إيطاليا ،فهي طريقة نجد صداها بوضوح «الحكواتية» قدي ًما ،وعازفي الربابة في المقاهي ،كأنه
يريد تسلية المتلقي والتسرية عنه ،والإمساك بتلابيبه
في «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان.
ما يعني أن حمدي أبو جليل وهو يكتب تجربته مهما كانت الحكاية حزينة ومأساوية.
بكل تخييلها الذاتي ،وتدفقها العاطفي ،وهزليتها، وعندما يرويها ،فهي لم تعد حكاية ذاتية ،وقد
وتمردها على معيارية اللغة وقواعد السرد الروائي تخلص من ثقلها ،بل ن ًّصا قاب ًل للولادة بصيغ
الكلاسيكي ،كان في الوقت نفسه مخل ًصا لآبائه
الشرعيين ،ومستم ًدا منهم شجاعة اتخاذ خطوة تبعد مختلفة حسب تخييل كل متل ٍق.
بالسرد الروائي عن حسابات الجوائز والوجاهة
نبرة ساخرة
الاجتماعية ورضا النقاد ،للإمساك
بالفناء الخلفي للعالم بكل جنونه وتشظيه تحيل عنونة الرواية إلى عنوان مجموعة شهيرة هي
وفساده وشهوانيته وتحلله من أي قيمة
تذكر.
وبد ًل من أن تدغدغ الرواية مشاعر قارئ
يتصيد ُجمل التنمية الذاتية الحكيمة
المنمقة ،فقد جاءت الكتابة صادمة .وربما
مثيرة للتقزز .ولا تعطي للمتلقي أب ًدا
فرصة الجلوس في موقع ُمريح .لأنها
تريه كل ما لا ُيسمح له أن يراه في المرايا
البراقة للإنسانية .تدفعه -ولو بالتخييل-
للغوص في وحل العالم