Page 42 - m
P. 42

‫العـدد ‪58‬‬                 ‫‪40‬‬

                                                      ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

 ‫أكثر‪ ،‬وهو لا يقود قومه‬
  ‫ضد ظلم ولا احتلال‪،‬‬
   ‫ولا في سبيل قضايا‬
‫ثورية كالعدالة والكرامة‬

            ‫الإنسانية‪.‬‬

‫تخييل ذاتي‬

‫تصلح «الصاد شين»‬

‫للمقاربة سرد ًّيا مع نص‬
‫مثل «قدر الغرف المقبضة»‬

‫لعبد الحكيم قاسم المنتمي‬

‫إلى المجتمع الريفي‪ ،‬والذي‬

‫تماهى مع بطلها وراويها‬

‫«عبد الله» كأنه يقص طر ًفا‬

‫من سيرته‪ ،‬متتب ًعا أماكنه‬   ‫إحسان عبد القدوس‬                       ‫يوسف السباعي‬  ‫محمد مستجاب‬
‫الهامشية من ريف طنطا‬

‫وميت غمر إلى مرحلة‬

‫الجامعة في الإسكندرية‪ ،‬وتجربة السجن السياسي‪،‬‬               ‫أو ُيغلق مصيره في جملة عابرة‪ ،‬والاحتمالات‬
‫وصو ًل إلى هجرة غير سعيدة في ألمانيا‪.‬‬                     ‫معروفة ومحدودة‪ ،‬كالسجن في قضايا الدعارة‬
                                                         ‫والمخدرات‪ ،‬أو ركوب قوارب الموت في البحر‪ ،‬أو‬
‫لكن قاسم يقدم عالم الهامش بلغة منضبطة رصينة‪،‬‬
                                                                                ‫الموت في معركة عبثية‪.‬‬
‫ويعرض فضاءات الإنسان المهمش كأنها قدر مقبض‬               ‫وليس غريبًا أن يكرر السارد الإشارة إلى معنى‬
                                                         ‫ومفهوم «الصيد» الآتي مباشرة من عالم الغابة‪،‬‬
‫لا فكاك منه‪ ،‬أمام كاميرا فاحصة وموضوعية‪.‬‬                 ‫وسباق الوحوش والطرائد‪ ،‬فبعي ًدا عن أي تنظير‬
                                                      ‫عن المدينة والمجتمع‪ ،‬هؤلاء الأشخاص بدون هوية‪،‬‬
‫ثمة ما يشبه انضباط عالم الاجتماع وراء بنائه‬
                                                            ‫ولا مأوى‪ ،‬لا يفتقد أحد غيابهم‪ ،‬ولا ينتبه إلى‬
‫السردي‪ ،‬الذي لم يخل قط ًعا من مقاطع سيرية أو‬            ‫حضورهم‪ .‬هم في سباق غامض شرفه الوحيد في‬
                            ‫«تخييل ذاتي»‪.‬‬
                                                               ‫قدرتهم على الفرار والبقاء على قيد الحياة‪.‬‬
‫فعل أبو جليل شيئًا مثل ذلك مقتفيًا أثر بطله في‬        ‫لكن حيوات كل هؤلاء تقدم في ضربات سريعة من‬
‫فضاءاته المختلفة‪ ،‬الأكثر ضراوة في هامشيتها‬            ‫منظور البطل الراوي‪ ،‬الذي يخوض الحرب نفسها‪،‬‬
                                                      ‫والفرار ذاته‪ ،‬ولا يتردد عقب وصوله إلى إيطاليا بلا‬
‫وعنفها‪ ،‬وبلغة متفجرة وعاطفية ومقاطع سريعة‬              ‫أوراق ثبوتية‪ ،‬من ادعاء هوية كاذبة بأنه «آدم عبد‬
                                                      ‫الله صفيط م العراق»‪ ،‬وتقبل موظفة تونسية اسمها‬
‫متلاطمة‪ ،‬لا فصول هادئة متأنية‪.‬‬                        ‫ليلى كذبته وترد عليه‪« :‬أنا عارفة إنك مش م العراق‬

    ‫يبدو بطل قاسم رائيًّا مستسل ًما وتأمليًّا‪ ،‬بينما‬    ‫وأسرتك م تقتلتش في الحرب وإنما أنت مشرقي‬
‫بطل أبو جليل مندف ًعا في سلسلة من أفعال الهروب‬                         ‫من عرب مصر بس أنا هنعديك»‪.‬‬
‫والبقاء على وجه الحياة‪ ،‬ولغته مثل حياته خليط من‬
                                                          ‫إن البطل يبقى على قيد الحياة بضربة حظ ليس‬
‫كل انتماءاته من الفصحى والعامية واللهجة الليبية‬

                            ‫والمفردات الإيطالية‪.‬‬

‫كلتاهما رؤية متشائمة لتحلل انهيار المكان وإنسانه‪،‬‬

‫لكن الأولى حافظت على قدر كبير من رباطة الجأش‪،‬‬

‫بينما الأخرى كانت هادرة في اندفاعها وتحللها‪.‬‬

‫ولا يكتفي أبو جليل بالإشارة المباشرة إلى انتمائه‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47