Page 46 - m
P. 46

‫العـدد ‪58‬‬   ‫‪44‬‬

                                                  ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

‫أصلان‪ ،‬لذا كان يرى أن السرد مجموعة لوحات‬          ‫أبو جليل هذه التقنية وقام بتطويرها والمزج بينها‬
         ‫متجاورة‪ ،‬وليس رؤية متنامية للصراع‪.‬‬                                   ‫وبين تقنيات أخرى‪.‬‬

  ‫هناك مدارس أخرى قام حمدي بعمل دراسات‬                ‫أما المدرسة الثانية فقد كانت مدرسة إبراهيم‬
 ‫تكميلية فيها أو من خلالها‪ ،‬وهي مدارس أجنبية‬      ‫أصلان‪ ،‬هذه المختلفة تمام الاختلاف عن مدرسة‬
  ‫أو مترجمة‪ ،‬في مقدمتها دون كيخوتة التي كان‬
                                                      ‫مستجاب‪ ،‬ففي الوقت الذي يحمل فيه جلباب‬
   ‫يعتبرها بمثابة النص المؤسس لفكرة السخرية‬         ‫مستجاب الواسع حصيلة لغوية ثرية إلى درجة‬
   ‫وليس الرواية فقط‪ .‬وهناك كونديرا الذي آمن‬
    ‫به حمدى أكثر مما آمن بنجيب محفوظ الذي‬                 ‫الإبهار اللغوي‪ ،‬حتى أنه كان ياتي للكلمة‬
                                                      ‫الواحدة بعشرات المترادفات‪ ،‬ولديها عشرات‬
      ‫حصل على جائزته‪ ،‬معتب ًرا أن كونديرا كان‬
  ‫يسعى لمواجهة البعبع الكامن في داخل الإنسان‬            ‫الأوصاف للشخص الواحد والفعل الواحد‪،‬‬
   ‫وهو غرائزه‪ ،‬ومن ثم كان حمدي راغبًا بجرأة‬         ‫فإن أصلان كانت رؤيته المتأنقة للغة تقوم على‬
    ‫مدهشة على إنتاج نص يواجه فيه هذا البعبع‪،‬‬
‫ساعيًا لتصفية مشاعره‪ ،‬وقول الحقيقة الخالصة‪،‬‬            ‫التحكيك والتنضيد‪ ،‬حتى أنه لا توجد غبارة‬
    ‫الحقيقة العارية تما ًما حتى لو واجه كل أفراد‬  ‫واحدة في جملة له‪ ،‬بمعنى أن من الصعوبة تقديم‬
                                                   ‫مقترحات بحذف كلمة أو تقديم بديل أو آخر في‬
                                       ‫جماعته‪.‬‬
     ‫الأمر الثاني الذي رغبت في الحديث عنه هو‬       ‫جملة لأصلان‪ ،‬فقد كانت عنايته الشديدة باللغة‬
   ‫مفهوم حمدي للرواية‪ ،‬هذا المفهوم الذي جعله‬      ‫تجعلنا أمام نعومة صارمة‪ ،‬لا نملك أمامها سوى‬
   ‫يرى أن نجيب محفوظ أضر بالرواية أكثر مما‬
    ‫نفعها‪ ،‬فقد قامت رؤية حمدى عن أن الرواية‬                               ‫الفتنة بها والتسليم لها‪.‬‬
‫هي الكتابة عن الذات‪ ،‬وكشف حقيقة موقفها من‬         ‫ربما هذا التحكيك والتنضيد الذي أغرم به حمدى‬
   ‫العالم‪ ،‬وهو ما يتفق مع فلسفته عن السخرية‪،‬‬
      ‫ومن ثم كانت كتابته تدور كلها عن تجاربه‬         ‫في مدرسة أصلان هو ما دفعه للسعي للعناية‬
   ‫الشخصية‪ ،‬وتدقيقه لحقيقة ذاته في وسط هذا‬            ‫باللغة‪ ،‬ولكن على نحو خاص به‪ ،‬فهو لم يكن‬
  ‫العالم‪ ،‬كان انشغاله الدائم ليس بالمهمشين كما‬        ‫مشغو ًل بمنطقية الكلمة أو الفكرة‪ ،‬ولكن كان‬
   ‫في أدب خيري شلبي أو بعض كتابات أصلان‪،‬‬            ‫مشغو ًل بمدى قدرتها على التعبير عما يتصوره‬

                                                        ‫أو يريد قوله‪ ،‬ومن ثم كان أميل لاستخدام‬
                                                  ‫العامية‪ ،‬أو المزج بينها وبين الفصحى‪ ،‬مستخد ًما‬
                                                    ‫في أسلوبه كلمات من قبيل‪ :‬بالأحرى أو الأجدر‬

                                                      ‫أو إن شئنا الحقيقة‪ ،‬وذلك حين يطرح مفردة‬
                                                  ‫ويجد أن هناك ما هو أكثر منها قدرة على التعبير‬

                                                                                       ‫عما يريده‪.‬‬
                                                                                      ‫كان حمدي‬
                                                                                   ‫يسعى لتصفية‬
                                                                                   ‫اللغة وتدقيقها‬
                                                                                     ‫كي يصل إلى‬
                                                                                     ‫الأكثر تعبي ًرا‬
                                                                                     ‫وليس الأكثر‬
                                                                                   ‫منطقية‪ ،‬وربما‬
                                                                                    ‫تاثر بـ”مالك‬

                                                                                         ‫الحزين”‬
                                                                                    ‫أكثر مما تأثر‬
                                                                                      ‫بـ”عصافير‬

                                                                                      ‫النيل” لدى‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51