Page 51 - m
P. 51

‫‪49‬‬             ‫إبداع ومبدعون‬

               ‫رؤى نقدية‬

‫محمد علي باشا‬  ‫جمال عبد الناصر‬                     ‫فإنه لا يأخذ مساحة كبيرة‪ ،‬وينقله السارد على لسان‬
                                                    ‫الشخصيات مما يجعل مسافة بين المتلقي من ناحية‬
  ‫وكشف عن أفكاره ورؤيته للعالم‪ ،‬وكان تفاعله مع‬
     ‫هذه الشخصية كاش ًفا عن طبيعة المنطقة وأثرها‬                           ‫والحوار من ناحية أخرى‪.‬‬
                                                       ‫كما أن هذا السارد لديه القدرة على التقاط لقطات‬
   ‫على سكانها‪ ،‬وهذا ما ظهر واض ًحا أي ًضا مع باقي‬    ‫تصويرية بعيدة الغور‪ ،‬على نحو ما نجد من سرده‬
 ‫الشخصيات‪ ،‬ومن هنا فإن البنية الزمنية في الرواية‬      ‫عن زوجين طاعنين في السن وحيدين في شقتهما‬

     ‫ليست بنية خطيَّة‪ ،‬وإنما تحدث ارتدادات كثيرة‬         ‫ذات البلكونة المقابلة لبلكونته‪ ،‬وخوف الجارين‬
‫كاشفة عن طبيعة كل شخصية وسبب مجيئها لمنشية‬               ‫المسنين من تبعات موتهما دون أن يدري بهما‬
‫ناصر‪ ،‬وأحيا ًنا يستخدم تقنية النجوم من أجل فصل‬         ‫أحد‪ ،‬وظهور رائحة تحلل جسديهما‪ ،‬كما ذكر في‬

   ‫الكتل السردية (ص‪ ،)11‬مما كان له أثر واضح في‬                                           ‫(ص‪.)117‬‬
                   ‫عدم سير الزمن بطريقة خطيَّة‪.‬‬    ‫كما يتراسل ما يسرده هذا السارد المشارك عن نفسه‬

‫ولم يضع السرد أبو جمال في موضع المثال‪ ،‬فهو على‬        ‫وما يعرفه القارئ عن مؤلف الرواية‪ /‬حمدي أبو‬
‫الرغم من أبوته لجمال كان كثير الخلاف معه‪ ،‬وكان‬      ‫جليل‪ ،‬من ذكر لأصوله البدوية‪ ،‬وما فعله محمد علي‬

   ‫ذلك يرجع إلى سببين أحدهما معلن والآخر خفي‪،‬‬          ‫مع قبائل البدو حينما أعطاهم أرضا زراعية لكي‬
    ‫أما السبب المعلن فهو جنون سيف بن أبو جمال‬        ‫يعرفوا الاستقرار‪ ،‬ومن ثم تسهل السيطرة عليهم‪،‬‬
  ‫وتخنثه‪ ،‬واختلاف طريقة كل منهما في التعامل مع‬     ‫وما ذكره السارد عن نفسه من أنه من مواليد ‪،1968‬‬
 ‫هذا الجنون‪ ،‬فقد ظهرت في (ص‪ )28‬رغبة الأب عبد‬          ‫وهو تاريخ يقارب المعروف عن ميلاد المؤلف‪ ،‬فقد‬
‫الحليم في قتل ابنه سيف بسبب تخنثه وتخلص أخيه‬
                                                                              ‫كان من مواليد ‪.1967‬‬
             ‫جمال منه بإيداعه مستشفى المجانين‪.‬‬     ‫تتعدد الشخصيات التي تناولها السارد وألقى الضوء‬
   ‫وأما السبب الخفي فهو الزعامة على البيت وتدخل‬     ‫عليها‪ ،‬ولم تتسا َو هذه الشخصيات المختلفة في الكتل‬

      ‫السارد الدائم لفض منازعاتهم‪ ،‬وهي منازعات‬        ‫السردية الخاصة بها‪ ،‬ولكن أبو جمال الأب بدأت‬
             ‫صورية‪ ،‬فهم في النهاية أسرة واحدة‪.‬‬       ‫الرواية به‪ ،‬وكان التركيز شدي ًدا على مقابلته ‪-‬وهو‬
                                                     ‫في الثانية والعشرين من عمره‪ -‬مع الرئيس جمال‬
                                                    ‫عبد الناصر‪ ،‬الذي زار المصنع الذي يعمل فيه فجأة‪،‬‬
                                                     ‫وحينما سأله الرئيس لماذا تبيت في المصنع؟ قال له‬
                                                   ‫بعفوية شديدة إنه بلا بيت هو وجميع العمال‪ ،‬فأشار‬
                                                   ‫الرئيس بيده إلى مكان قريب وأعطى أوامره «هنا» أي‬
                                                     ‫يبيتون هنا‪ ،‬فنشأت منشأة جمال عبد الناصر التي‬
                                                   ‫أصبحت منشية ناصر‪ ،‬وقد تكررت الإشارة إلى ذلك‬
                                                   ‫كثي ًرا‪ ،‬ومنها ما ورد في (ص‪ )80‬الكتلة السردية رقم‬

                                                                                                ‫‪.9‬‬
                                                         ‫ولذا فإن أبو جمال يعتبر نفسه من المؤسسين‬
                                                     ‫للمكان‪ .‬ولم يسر سرد السارد عن هذه الشخصية‬
                                                          ‫في اتجاه خطي له بداية ووسط ونهاية‪ ،‬وإنما‬
                                                         ‫كانت هناك ارتدادات كاشفة تبين ماضي هذه‬
                                                      ‫الشخصية وكيفية مجيئه من الصعيد إلى القاهرة‬
                                                     ‫وعمله فيها وزواجه من أم جمال وإنجابه لأربعة‬
                                                      ‫أولاد ذكور‪ ،‬كما أن سرد السارد عنه تنوع بين‬
                                                    ‫السرد والوصف‪ ،‬وإن كانت الغلبة الغالبة للسرد‪،‬‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56