Page 54 - m
P. 54

‫العـدد ‪58‬‬   ‫‪52‬‬

                                                  ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

‫سمير درويش‬

‫جماليات العشوائية المنضبطة‪..‬‬
‫قراءة في «قيام وانهيار الصاد‬
‫شين» لحمدي أبو جليل‬

‫هل هذه رواية توثيقية؟ من الممكن أن تكون‪ ،‬ففيها ما يمكن أن يعد‬
‫فصو ًل من السيرة الذاتية للكاتب‪ ،‬خصو ًصا أن الأماكن الروائية تتطابق‬
‫مع الأماكن التي تنقل بينها‪ ،‬وأن اسم الشخصية الروائية هو اسمه‬

‫الطبيعي‪ ،‬وأن بعض الأعمال التي اشتغلها البطل هي نفسها الأعمال التي‬

‫مارسها في فصول من حياته الأولى‪ .‬لكن –مع هذا‪ -‬فنحن أمام قدرة لا‬

‫يمكن إغفالها على صبغ الخيال بصبغة واقعية خشنة‪ ،‬تجعل القارئ‬

‫يظن أنها الحقيقة ذاتها‪ ،‬وقد لا تكون كذلك‪ ،‬وبالتأكيد هي ليست كذلك‬

‫على طول الخط‪.‬‬

   ‫يكتب فقط كيفما شاء‪ ،‬يحكي ويسترسل ويبوح‬           ‫في رواياته وقصصه‪ ،‬وحتى في مقالاته‪ ،‬لا يهتم‬
‫كطوفان أهوج لا تعرف متى سيأتي لك أو من أين‬
‫وإلى أين‪ ،‬لكنها عشوائية فنية ظاهرية‪ ،‬وفي الحقيقة‬     ‫حمدي أبو جليل بالأبنية الجمالية التي تقوم على‬
 ‫هو الذي يصنعها وهو يمسك الخيوط في يده‪ ،‬تلك‬         ‫التماثل‪ ،‬أو الموازاة‪ ،‬والسيمترية‪ ،‬التي تريح العين‬

  ‫التي لا يراها إلا الذين يعرفون جماليات الحكي‪،‬‬       ‫وتضبط حركة العقل في المتابعة‪ ،‬بحيث يجد ما‬
                ‫ويعرفون إبداع حمدي أبو جليل‪.‬‬           ‫يريد حين يتوقعه‪ .‬فتجد أن كتابته لا تتصاعد‬
                                                     ‫دراميًّا بالضرورة‪ ،‬ولا تنتهي عند لحظات حادة‪،‬‬
  ‫هناك حكاءون في الأدب العربي‪ ،‬القديم والحديث‬     ‫أو مريحة‪ ،‬وبالطبع لا يهتم بعقد عقدة فنية ليحلها‪،‬‬
‫على السواء‪ ،‬منهم الذين يعتبرهم أبو جليل أساتذته‬         ‫أو ببناء شخصية درامية فيشرح مواصفاتها‬
                                                  ‫الجسمانية وظروفها الاجتماعية والثقافية والنفسية‬
    ‫المباشرين‪ ،‬مثل خيري شلبي ومحمد مستجاب‬            ‫وطبقتها الاقتصادية‪ ،‬لا يفعل أي شيء من ذلك‪،‬‬
       ‫اللذين اعتمدا على الثيمات الشعبية في صنع‬
   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59