Page 38 - m
P. 38
العـدد 58 36
أكتوبر ٢٠٢3
لفن كتابة السيرة الذاتية. من بناء صورة روائية عنه ،يقول« :البيت المتصدع
بالنسبة له أشبه بعجوز قانع يستعجل نهايته،
فهل يمكن اعتبار رواية الفاعل سيرة ذاتية
وجراحته تهدف لتمكينه من نعيم النهاية والحياة
صريحة؟ أم رواية سيرذاتية قائمة في جزء منها م ًعا ،شيء يشبه إخراج الميت من الحي وإخراج
على تسريب جانب من سيرته الذاتية في النص مع الحي من الميت ،لا يقترب أبدا من أسلوب عمارته،
وأحيا ًنا يضيف إليها ما شاء من الطوابق ،وفي نفس
الاشتغال على التخييل في بناء شخصياته الروائية؟
الوقت يطلق معاول الهدم» .هنا لا يسعنا إلا أن
أتصور أن الإجابة بسيطة حسمها التجنيس نندهش من هذا التقديم البلاغي للمقاول رغم أنه في
كثير من مواضع الرواية كان يفضل استعمال لغة
الأدبي الذي وضعه الكاتب على النص «رواية» ،فلو
موجزة ،عامية ،يجردها من كل ظلال المجاز ،لغة
أرادها سيرة ذاتية صريحة لجنسها بذلك .لكنها تراهن فقط على أداء المعنى.
لأتوواجشز ًءجاهاكبمي ًعراجمزن ٍءدآراخرما املنذات بع ًضا كتابة تعتمد ما بين الرواية والسرد السيري:
النص الساردة في
إن العلاقة بين السيرة الذاتية والسرد السيرذاتي،
التخييل السردي في بناء الشخصيات. أو ما يسمى بالسرد السيري ،ستظل ملتبسة ولم
وطالما ص َّرح حمدي أبو جليل أنه ُيحبِّذ كتابة يحسم النقد موقفه من كلا الجنسين ،فالسيرة
«الذات» ،الكتابة الأكثر قر ًبا من الذات ،وأنه لا يميل الذاتية الصريحة ليس لها وجود كبير في ثقافتنا
إلى كتابة التخييل الصرف في بناء العالم الروائي،
العربية ،وذلك بسبب تلك القيود التي يفرضها
ولعل كلمته الشهيرة أمام لجنة منح جائزة نجيب المجتمع على الكاتب حين يعمد إلى كتابة سيرته
الذاتية ،وتاريخه الشخصي ،لذا يعمد الكتاب غالبًا
محفوظ في الجامعة الأمريكية والتي منحت الرواية إلى تسريب خطابات السيرة الذاتية ومضامينها
إلى أجناس أدبية أخرى ،وذلك تحاشيًا وتجنبًا
جائزتها ،تؤكد على البعد الذاتي في الكتابة بالنسبة
لإرجاع السيرة الذاتية إلى كاتبها الواقعي ،أو
لأبي جليل. المؤلف (شخص الكاتب) ،وليس المؤلف الضمني،
ومما يؤكد البعد السيري في النص :أو ًل السارد وما ينتج عن ذلك من أحكام وتقييم سالب للكاتب،
ورد باسمه كام ًل في النص ،ثانيًا هو روائي يسعى فيفر إلى ما يعرف مث ًل برواية السيرة الذاتية ،أو
لكتابة رواية ،كما أنه يسعى لترك مهنة الكاتب السرد السيرذاتي ،أو يتخفف من بعض اشتراطات
للبحث عن عمل في «الثقافة» و»الصحافة» .وهناك كتابتها ،كالسرد بضمير الغائب ،أو اللجوء إلى
التعديل والحذف ،وذلك لأنها تعتمد على مواجهة
عشرات المواضع ،إن لم نقل مئات التي يتحدث فيها الذات والقارئ عند استحضار الأحداث ،وتحمل
حمدي أبو جليل عن رواياته ،وشخصياته الروائية، المسؤولية الأخلاقية أمام القارئ عما يكتبه من
أحداث .من المتفق عليه وفق منطق السيرة الذاتية
وبناء العمل الروائي ،والعمل في الصحافة الثقافية،
أنها أحداث حقيقية ،لا تقبل التحايل عليها أو
وغيرها مما يشير إلى سيرته الذاتية الصريحة التي تزييفها أو انتخاب بعض الأحداث منها دون
البعض الآخر ،وذلك لأن الكاتب العربي والقارئ
قرر أن يشتغل عليها ويوظفها دراميًّا؛ اتفا ًقا مع العربي أي ًضا لا يعيشان أف ًقا فكر ًّيا ح ًّرا يقبل
رؤيته للكتابة ومساحات السر السيري ومساحات من الكاتب أن يواجه ذاته و ُق َّراءه بشكل جريء
وصريح ،ولا يتمكن كاتب من كان أن يتمثل
التخييل في النصوص. الاشتراطات الجمالية التي وضعها فيليب لوجون
منذ الدخول الأول للنص ،وفي سرديته الأولى
يتحدث عن محاولاته لكتابة رواية ،والتجهز
النفسي والأدبي والثقافي لبناء عالمها الروائي يقول:
«عليَّ أن أعود للموضوع الأساسي ،قلت إن هذه
الأشياء مفيدة في التفكير في الرواية ،ولكن أي
رواية ،خمس سنوات وأنا أخرج من رواية لرواية،
أبدأ في الواحدة ،وأفرح بها ،وتتوالى الصفحات
طيعة وسهلة ،وفجأة تنفتح رواية أخرى ..ولكن
فلأعد لجدي ،جدي عولة ،الرواية وحتى القصة
والحكاية الأولى في حياتي»( .ص)11