Page 35 - m
P. 35

‫‪33‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫باعتبارها وطني الأم‪ .‬المكان الوحيد الذي أتحرك‬           ‫كانوا يرهبوننا‪ ،‬ويسموننا بالمحاريت»‪( .‬ص‪)47‬‬
       ‫فيه دون خوف باعتباري مواطن لي حقوق‬                ‫هنا يعقد مقارنة اجتماعية بين فريق تكون بشكل‬
                                                          ‫عشوائي من «الفواعلية» من طبقة اجتماعية دنيا‬
   ‫وعليَّ واجبات‪ .‬أضعها أمامي وأقلب في ذكرياتها‬
‫باعتبارها تواريخ لوطن جريح‪ .‬لا أدري لماذا يرتبط‬            ‫وبين فريق تكون في ظل رعاية اجتماعية تتمثل‬
                                                        ‫في «نادي مصر الجديدة»‪ ،‬وينتصر بالطبع للفريق‬
    ‫لد َّي الوطن بالجراح‪ .‬الأوطان تبدو أكثر مهابة‬
   ‫واحترا ًما حينما تكون مثخنة بالجراح‪ .‬وعزبتنا‬                                                 ‫الأول‪.‬‬
   ‫جريحة‪ ،‬فقيرة‪ ،‬وصغيرة‪ ،‬تقع بعي ًدا عن الطريق‬          ‫يستخدم الكاتب ضمير الأنا الذي هو أكثر حميمية‬

       ‫العمومي والسوق والماء العذب»‪( .‬ص‪)119‬‬                 ‫وقدرة على التعبير عن الذات ليصور لنا حياته‬
                                                             ‫في عالم الفاعل‪ ،‬حيث يقول‪« :‬كنت أسمع أنهم‬
    ‫اللغة من المتن إلى الهامش‪:‬‬                          ‫يسافرون مصر للشغل في الفاعل‪ .‬وكنت أسأل ما‬
                                                       ‫هو الفاعل هذا؟ طب ًعا لم أتوقع أن يشتغلوا طيارين‪،‬‬
      ‫إن دراسة لغة كتابة الهامش ولغة الجماعات‬            ‫وكنت أعرف أنهم أنفار يشيلون التراب‪ .‬وكان لي‬
   ‫المهمشة ليست فكرة حديثة‪ ،‬فكل من درس مث ًل‬           ‫خال يقول لابنه ه ّج على مصر ع َّفر هناك بدل هنا»‪.‬‬

      ‫الظواهر الأدبية الهامشية مثل دراسة ظاهرة‬                                                ‫(ص‪)71‬‬
  ‫شعراء الصعاليك دون أن ُتدرس الظواهر اللغوية‬             ‫ولم يكتف الكاتب بتقديم بطله من فئة المهمشين‪،‬‬
  ‫في أشعارهم أتصور أن دراسته جاءت منقوصة‪،‬‬              ‫الفواعلية‪ ،‬بل جعله أي ًضا من طبقة اجتماعية‬
  ‫فظاهرة التهميش يجب أن يتم دراستها ليس فقط‬              ‫مهمشة‪ ،‬فهو بدوي ينتمي لقبيلة‬

     ‫على مستوى البنية الأدبية‪ ،‬بل دراسة الأنساق‬              ‫من بدو الفيوم‪ ،‬إنه يفكر‬
  ‫اللغوية التي يتم إزاحتها وتلك التي يتم تسييدها‬         ‫ويتصرف بأسلوب فرد من‬
‫والانتصار لها‪ ،‬فاللغة الأدبية لهذه الظواهر بطريقة‬      ‫الأقلية اختزل الوطن بالنسبة‬
 ‫ما تماهي لغة الجماعات المهمشة‪ .‬وبالتالي لا يمكن‬
  ‫تجاوز ما تحفل به كتب الأخبار والآداب التراثية‬              ‫له في عزبة صحراوية‬
                                                          ‫بالقرب من الفيوم‪ .‬يقول‪:‬‬
    ‫من حكايات عن شعراء اتخذوا موق ًفا عبثيًّا من‬          ‫«دائ ًما أفكر في عزبتنا‪ .‬من‬
     ‫بلاغة عصرهم‪ ،‬ووقفوا موق ًفا معاد ًيا للسلطة‬
    ‫الرسمية‪ ،‬وتحينوا من خلال هذه اللغة الفرصة‬                ‫أول يوم في شبرا تحل‬
‫للسخرية من لغة المركز التي صنعت بلاغة العصر‪.‬‬
  ‫ولعل ظهور الدراسات التي تتناول لغة المهمشين‬
   ‫والثقافات المحلية‪ ،‬جاء على خلفية شيوع فكر ما‬
    ‫بعد الحداثة الذي تبنى تكسير مركزية السلطة‬
 ‫المركزية‪ ،‬والاهتمام بلغة الجماعات الإثنية‪ ،‬وعلاقة‬

                                  ‫اللغة بال ُهو َّية‪.‬‬
      ‫إن دراسة لغة المهمشين ها َّمة لكشف عالمهم‪،‬‬
 ‫وخصوصية هذا العالم باعتبار أن اللغة قناع للرد‬
‫على الثقافة الرسمية النخبوية التي‬
 ‫تعيد إنتاج بلاغة السلطة‬
 ‫في أنساقها المضمرة‪،‬‬
 ‫فهي مقاومة لغو َّية‬
   ‫لسلطة الخطاب‪،‬‬
 ‫وموقع يشغل حيِّ ًزا‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40