Page 34 - m
P. 34

‫العـدد ‪58‬‬   ‫‪32‬‬

                                                     ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

‫البناء أو الهدم‪ ،‬من أسمنت أو رمال أو طوب للبناء‪،‬‬           ‫الأنساق ضد الهوامش الاجتماعية المختلفة‪.‬‬
‫وتمثَّل هذا الاحتفاء‪ ،‬بداية من العنوان «الفاعل» تلك‬    ‫وقد عمد الروائي التسعيني إلى كشف اللامقول‬
                                                       ‫والمسكوت عنه في حياة الهوامش الاجتماعية‪ ،‬بل‬
  ‫المهنة التي يهمشها المركز‪ ،‬ويقصيها‪ ،‬رغم حاجته‬       ‫احتفى بها‪ ،‬ولم يدنها باعتبارها خارجة عن سلم‬
‫لها‪ ،‬فهي مهنة لا تتطلب من ممارسها أي مهارة أو‬          ‫القيم‪ .‬رأى السرد أن خصوصية عالم المهمشين‬
                                                     ‫يستحق أن يكون محور السرد؛ انتصا ًرا ونهو ًضا‬
  ‫معرفة‪ ،‬سوى قدرة جسدية على حمل مواد البناء‬            ‫في وجه المركز‪ /‬المتن الذي يقصي تلك الهوامش‬
‫أو حمل ما يتخلف عن هدم المباني‪ ،‬يقول أبو جليل‪:‬‬          ‫وينحاز ضدها بشكل أو بآخر‪ .‬إذن ثمة احتفا ٌء‬
                                                       ‫كبي ٌر‪ ،‬يسم المقاربات الجديدة للهامش والأدبيات‬
  ‫«الفاعل عمو ًما ليس لهم يوم إجازة مقدس كباقي‬        ‫المتراكمة في مجال النقد الأدبي وإسهامات ما بعد‬
     ‫المهن‪ .‬هم عادة يخرجون للبحث عن عمل‪ ،‬فإن‬           ‫الحداثة التي بحثت عن المهمشين ودفعت بهم في‬

 ‫وجدوا اعتبروا اليوم عمل‪ ،‬وإن لم يجدوا اعتبروه‬                               ‫مقدمة المشهد السردي‪.‬‬
                               ‫إجازة»‪( .‬ص‪)47‬‬          ‫من هذه الفرضية يمكن النظر إلى كتابات الروائي‬

       ‫ومع هذا يبحث الكاتب عن الأحلام البسيطة‬              ‫الراحل حمدي أبو جليل الذي احتفى بهؤلاء‬
  ‫لهؤلاء المهمشين‪ ،‬أحلام لن تتعدى كسر روتينهم‬           ‫المهمشين بداي ًة من مجموعته القصصية الأولى‬
 ‫اليومي‪ ،‬تحقيق سعاداتهم الصغيرة بأقل التكاليف‬         ‫«أسراب النمل» التي احتفت بالهامش على حساب‬
  ‫التي تتحملها إمكانياتهم المادية‪ .‬إنهم بشر بسطاء‬      ‫المتن‪ ،‬مرو ًرا بروايته «لصوص متقاعدون» التي‬
                                                     ‫انتصرت للهامش‪ ،‬واعترفت بحقه في الوجود‪ ،‬رغم‬
     ‫وباحثون عن المتعة‪« :‬نحن بالذات كنا نعمل في‬        ‫ضعفه الإنساني وما مثله من خروج على النسق‬
‫ظروف استثنائية‪ ،‬كنا نغافل الحكومة‪ ،‬وأيام ال ُج َمع‬      ‫القيمي الاجتماعي الذي أسس له المركز‪ ،‬وليس‬
 ‫والعطلات الرسمية أوقات ملائمة للعمل في البيوت‬       ‫انتها ًء بروايته الأشهر «الفاعل» التي حازت جائزة‬
                                                      ‫رفيعة باسم أستاذ الرواية العربية‪ ،‬جائزة نجيب‬
  ‫الآيلة للسقوط‪ ،‬ولكنا كنا نضربها طبنجة ونكوي‬        ‫محفوظ التي تمنحها الجامعة الأمريكية‪ ،‬فقد قارب‬
    ‫ملابسنا ونخرج للسينما أو جنينة الفسطاط أو‬           ‫عالم المهمشين في رواياته التالية «قيام وانهيار‬
   ‫حديقة الحيوانات‪ ،‬وأحيا ًنا كنا نرتدي الترنجات‬     ‫الصاد شين» و»يدي الحجرية» وأخي ًرا «ديك أمي»‬

  ‫ونلعب الكرة في الملاعب المفتوحة في شارع جسر‬                  ‫التي أُطلِقت بعد وفاته في يونيو ‪.2023‬‬
      ‫السويس‪ .‬كنا فرقة مشهورة في هذه الملاعب‪،‬‬                                             ‫في روايته‬

    ‫وكنا نواجه فر ًقا من شباب حي مصر الجديدة‬                                        ‫«الفاعل» يحتفي‬
‫القريب‪ ،‬وكانوا في منتهى النعومة والشياكة‪ ،‬وكانت‬                                     ‫حمدي أبو جليل‬
                                                                                     ‫بأحد الهوامش‬
    ‫ملابسهم تبرق تحت شمس العصاري‪ ،‬ولكنهم‬                                            ‫الاجتماعية‪ ،‬وهم‬
                                                                                    ‫فئة عمال يومية‬
                                                                                   ‫وتراحيل‪ ،‬إن جاز‬

                                                                                       ‫وصفهم بهذا‬
                                                                                 ‫الوصف‪ ،‬يخرجون‬

                                                                                      ‫من بيوتهم في‬
                                                                                  ‫الصباح بحثًا عمن‬

                                                                                       ‫يطلبهم لحمل‬
                                                                                 ‫الأثقال التي يتطلبها‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39