Page 36 - m
P. 36

‫فيليب لوجون‬                    ‫إن دراسة لغة كتابة الهامش ولغة‬

‫العربية‪ ،‬وكثير من المفردات من اللغة التركية‬             ‫الجماعات المهمشة ليست فكرة‬
‫والإنجليزية والفرنسية واليونانية والإيطالية‪،‬‬
                                                    ‫حديثة‪ ،‬فكل من درس مثًل الظواهر‬
   ‫وكأن العامية المصرية صارت وعا ًء كبي ًرا‬
 ‫أنضجت فيه كل مفردات اللغات التي م َّرت بمصر‪،‬‬      ‫الأدبية الهامشية مثل دراسة ظاهرة‬

                            ‫وسكنت لسان أهلها‪.‬‬           ‫شعراء الصعاليك دون أن ُتدرس‬
   ‫يزاوج الكاتب بين العامية والفصحى في السرد‪،‬‬
                                                  ‫الظواهر اللغوية في أشعارهم أتصور‬
     ‫فإن كتب العامية يكتبها باشتراطاتها الجمالية‬
    ‫وبلاغتها الخاصة ورسمها الإملائي‪ ،‬وإن كتب‬         ‫أن دراسته جاءت منقوصة‪ ،‬فظاهرة‬
   ‫الفصحى يكتبها أي ًضا ببلاغتها ومجازها‪ ،‬يقول‬
  ‫الكاتب‪« :‬ومرة كان ماشي مع رفيقه عبد الحميد‬      ‫التهميش يجب أن يتم دراستها ليس‬
   ‫وواحد فلاح في الجبل‪ ..‬وفجأة هل عليهم تاجر‪،‬‬
   ‫فوق خمسة جمال محملة‪ ،‬أبو ضيف الله اعتبره‬         ‫فقط على مستوى البنية الأدبية‪ ،‬بل‬
     ‫هدية سماوية‪ .‬رزق جانا يا عولة‪ ،‬وعولة قاله‬
    ‫عيب يا عبد الحميد الراجل في وطنا والمفروض‬           ‫دراسة الأنساق اللغوية التي يتم‬
 ‫نحموه‪ .‬ولكن بوضيف الله لم يكن فاضيًا لمثل هذا‬
  ‫الكلام‪ ،‬وحسم الموضوع بسرعة‪ .‬نا هنمشيله‪ .‬إن‬            ‫إزاحتها وتلك التي يتم تسييدها‬
    ‫جيت جيت وإن ما جيت ملكش دعوة‪ .‬وتمشى‬
   ‫ناحية التاجر‪ ،‬ومسك لجام الجمل وهزه‪ ،‬وطب ًعا‬                                ‫والانتصار لها‪.‬‬
‫التاجر خاف‪ .‬وحيد وسط بدو نهابين‪ ..‬وشكم عبد‬
‫الحميد الجمل بقوة‪ .‬ونت قلت لك انزل‪ ..‬الرجل قال‬                          ‫اجتماعيًّا تتركه السلطة خاليًا‪.‬‬
  ‫بصوت عالي هيا موتا موتا‪ ،‬وسحب نبوت أو قل‬              ‫ثمة إحساس خفي لدي ُكتَّاب الهامش بضرورة‬
‫زقلية وتماطع ونزل بها على رأس عبد الحميد فلقها‬          ‫الحفر في الخطاب الهامشي عبر لغته الهامشية‬
                                                      ‫شريطة أن يتأسس على الوعي والمساءلة‪ ،‬مساءلة‬
                                ‫فل ًقا»‪( .‬ص‪)158‬‬    ‫المجتمع عبر إحداث صدمات وهزات فكرية للمجتمع‬
                                                         ‫بلغة المتن‪ ،‬والوعي بالخروج عليها باعتبار هذا‬

                                                         ‫الخروج انزيا ًحا جماليًّا‪ ،‬وليس عدم قدرة على‬
                                                         ‫الصياغة الأدبية النخبوية‪ .‬يصبح هذا الانزياح‬
                                                    ‫الجمالي عن لغة المركز النخبوية عبارة عن صدمات‬
                                                        ‫لوعي المتلقي وإثارة تفكيره في الهامش اللغوي‪،‬‬
                                                          ‫وكيف أقام منه الكاتب مرك ًزا ومتنًا جديدين‪.‬‬
                                                       ‫وقد وعى حمدي أبو جليلة هذا الصراع بين لغة‬
                                                       ‫المتن‪ ،‬اللغة العربية الفصيحة‪ ،‬ببلاغتها النخبوية‪،‬‬
                                                     ‫ولغة الهامش‪ ،‬اللغة العامية‪ ،‬التي كان يعتبرها لغة‬
                                                    ‫قائمة بذاتها ولها جمالياتها الخاصة وليست مجرد‬
                                                        ‫لهجة محلية تنحدر عن الفصحى‪ ،‬وقد تناقشت‬
                                                       ‫معه في أكثر من لقاء حول كون العامية المصرية‬
                                                         ‫لغة مكتملة البلاغة والمجاز‪ ،‬وقد أفلح ْت في أن‬
                                                      ‫تصهر داخلها لغات كثيرة منها‪ :‬المصرية القديمة‬
                                                      ‫(هيروغليفية وديموطيقية) واللغة القبطية‪ ،‬واللغة‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41