Page 37 - m
P. 37
35 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
-القارئ -لوحة للأحداث ،ويرتبها حسبما أراد، البطل الضد:
ومن هنا شارك القارئ الكاتب في إنتاج المعنى،
ليصبح الأخير مغام ًرا كبي ًرا في الحفاظ على اهتمام البطل الضد هو نقيض البطل التقليدي الذي
يفترض أن يتمتع بالقوة والصدق والنزاهة ،تلك
القارئ بالحكاية المتناثرة أجزاؤها في الفضاء الشخصية النموذجية في كل شيء .والبطل الضد
السردي ،وتلك المغامرة تتأتى من مدى قدرة على النقيض من تلك السمات التي تعلو بالبطل فوق
القارئ وصبره على لملمة أجزاء الحكايات ورصها. البشر العاديين ،حيث لا يتوقع من البطل الضد أن
كذلك راهن الكاتب على التجريب في الزمن ،فليس يتمتع بأي من الصفات السابقة ،بل على العكس
ثمة زمن خطي متتابع ،بل هو زمن استرجاعي
يروح فيه الكاتب ويجيء حسبما تسعفه ذاكرته يفتقر إلى القدرة على مواجهة العالم.
السردية ،يقول« :في مثل هذه الأحوال أتخيل حياتي ولقد دأبت السرديات العربية على الاحتفاء بالبطل
على هيئة دفاتر مرصوصة في رأسي ،أحيانا تفتح في تفوقه ونموذجيته ،إن الكاتب يعي فكرة الضد،
واح ًدا واح ًدا ،وأحيا ًنا تندلق مرة واحدة وتختلط ويرى« :إنني كنت أعمل ضد نفسى ضد ما أريد
ذكريات الطفولة بملامح آخر وجه رأيته ،والآن
أرى منظري في شبرا ،كنت في العشرين من عمرى، بالضبط»( .ص)97
وكنت عائ ًدا للتو من رحلة عمل في ليبيا ،وكنت إن السرد الجديد يحتفي بالبطل في ضعفه
أشتغل في الفاعل وأبحث طوال الوقت عن وظيفة، الإنساني ،وهذا ما تمثله حمدي أبو جليل في
وكنت أسكن في أوضة في عين شمس مع أربعة سردياته المختلفة ،وخاصة في رواية الفاعل ،فالبطل
هنا بطل «ضد» بما تحمله الكلمة من ظلال ثقافية،
زملاء من البلد»( .ص)8 فهو مهمش ،يعمل في مهنة غير مستقرة ،منذ أن
أما بناء الشخصيات فقد لجأ الكاتب أي ًضا إلى وعى على الدنيا وهو يحلم فقط بتحقيق أدنى الآمال
فكرة «البازل» ،فلم يبن تاري ًخا واض ًحا للشخصية، وأقلها ،حتى حينما حاول أن يترقى اجتماعيًّا عن
بل هي شذرات ونثار من حكايات صغيرة نثرها طريق التعليم لم يتمكن من ذلك ،بل عمل في مهن
هنا وهناك؛ وانتظر من القارئ أن يقوم بدوره قليلة الأهمية ،وأشهرها مهنة «الفاعل»« :كل أبناء
الرئيس الذي أوكلته له نظرية القارئ والاستجابة، القرى والنجوع رفعوا شيئًا من مكان إلى آخر».
فصار القارئ «فاع ًل» هو الآخر ،ففكرة الفاعل
هنا تمثلها الكاتب على عدة مستويات ،فأبطاله البناء السردي:
فاعلون بأجسادهم لعملهم في ذلك العمل الجسدي
المرهق ،وشخصيته الرئيسية «حمدي أبو جليل» لقد خرج حمدي أبو جليل على حبكة السرد
فاعلة أي ًضا ،حيث وعت درس التهميش الاجتماعي الكلاسيكي وما تمثله من سمات تنتصر للقوة
وحاولت الخروج على النسق الهامشي واللحاق والتماسك والسرد الخطي الذي ينطلق من النقطة
بالمركز عن طريق الإفادة من موهبة «الكتابة»، (أ) ليصل منطقيًّا إلى النقطة (ج) عبر الزمن الخطي،
كتابة القصص والروايات ،ثم انتقل للعمل في وعبر الحدث المبني منطقيًّا بمقدمات وخطوات
الصحافة بما تمثله من سلطة «رابعة» فاحتمى تدفع إلى نتائج متوقعة ،خرج على كل ذلك ليفيد من
البطل الذي كان مه َّم ًشا وصار «فاع ًل» بالكتابة التشظي السردي الذي هو سمة السرد التسعيني،
والصحافة ليتمكن من الاقتراب من المركز .لكنه لم حيث لم يحرص الكاتب على حبكة درامية لأحداثه،
يكتف بشخصية «حمدي» وتقديمها عبر الشذرات بل تمثَّل حمدي أبو جليل هذا التشظي ،فبدأ يروح
السردية ،لنكمل في النهاية بناءها مع الكاتب ،فها ويجيء في الزمان ،يكتب سرديات شذرية كما تعن
هي شخصية مقاول «الهدد» قدمها الكاتب عبر له ،دون أن يعتني أ ُّيما عناية بالتسلسل المنطقي
الفضاء السردي بسرديات قصيرة لا تتعدى في الأحداث ،ومن هنا أوكل للقارئ مهمة تجميع
السردية الواحدة بضع جمل؛ لنتمكن في النهاية قطع البازل التي ساقها في فضائه السردي ،ليك ِّون