Page 32 - m
P. 32
العـدد 58 30
أكتوبر ٢٠٢3
في النص هو اللغة التي تعانق الرؤية التي يوجدها وكأنه هو المشاهد الذات الأولى ،إلا أننا نحس أنه
المؤلف ،بل قد يوجد الحدث ولكنه لا يسهم في يغلف ذا ًتا أخرى ،ووراء هذا المشهد المنطقي يتدرج
حركة النص بقدر ما تسهم الرؤية ،ولكن الحدث المؤلف إلى نوع من السرد الغنائي تنداح مفرداته
يسهم في توليف حركة النصوص ،وبالذات إذا من خلال منولوج أشبه بالحلم في انكسار تدل عليه
كانت هذه الحركة متعددة الأوجه. حركة الخيول العربية التي أصبحت نادرة في زحمة
ويمكن هنا أن أستعير قول بول ريكور من أجل
الخيول الأعجمية« :إن الخيول لا تصهل إلا لأمر
مواجهته بنصوص حمدي أبو جليل يمكننا الآن أن جلل ،سرت في جسمي قشعريرة ،المكان مهيب،
نهاجم المغالطة التي نتأمل فيها وهي أن القصص الخيول رفعت أقدامها الأمامية» ،كل هذه التراكيب
ترول والحياة تعكس ،حيث تبدو هوة لا تردم دالة على الطرح السابق واستطاع المؤلف أن يضفر
تفصل بين القص والحياة ،إذ لا فرق فيما بين غنائيته في الواقع بنوع من الرؤية التي تتيح لنا
النظر بعينيه ،وفى المشهد الثالث :يؤرخ المؤلف لقلق
يدينا من نصوص توازن بين السرد ،والحياة ،فهو الإنسان المعاصر وملله من خلال صور طارئة على
يجعلنا نحس أنه يسرد الحياة كما ينبغي أن تكون الذاكرة ،بين صور قومية ،ودينية ،واجتماعية ،حتى
أو يسرد الحلم عن طريق الحياة ،أو يسرد الواقع وجه أمه ،حتى يصطدم بالماكينة التي يقف أمامها
حائ ًرا ،وهي صدمة التراث بالحضارة بكل أبعادها
بالحلم والحياة ،فهو يوجد كائناته ،أو يتقمص
هذا الوجود ،ويحيلها إلى رموز تقترب أحيا ًنا من واحتمالاتها.
الواقع أو تنفيه أو تؤكده أو تنفى نفيه ،أو تحيله
إلى واقع ميتافيزيقي احتمالي برغم ما يبدو عليه من -6-
معقولية. أما الينبوع الرابع الذي يفجر شعرية النص عند
وهكذا فإن شعرية السرد /شعرية النص المقترحة المؤلف فهو ينبوع الحلم الذي يسري في أوصال
نصوصه سريا ًنا متدف ًقا ،حتى أنه يصبح تيا ًرا في
للدخول إلى عوالم الحكاية عند المؤلف ليست هي بعضها وتيا ًرا جار ًفا في بعضها الآخر .هذا الحلم
المدخل الوحيد بل هي إحدى الطروحات التي يطرح الذي يحول الطرح النفسي إلى ما يشبه الموتيفات
شبه الأسطورية ،باستخدام رؤى كشفية تكمن في
منطق الكائنات عند حمدي أبو جليل ،والمتأمل مقارنته بين الواقع والواقع الآخر ،ثم يحيل ذلك إلى
في علاقة الكاتب بتراثه وجدله معه ،والذي يعيد نوع من السخرية اللاذعة التي تعبر عن مشروعية
المؤلف صياغته نفيًا وتأكي ًدا يعد أي ًضا طر ًحا يمكن
المعنى أحيا ًنا ،كما يقول د.مصطفى ناصف،
محاورة هذه النصوص عن طريقه وبالذات على حد تعبيره حينما نواجه العبارات
التصويرية تلك التي لا تعبر عن المعنى بطريقة
الهوامش: مباشرة( .)3ويتجسد هذا الطرح في قصة «الزعيم»،
والتي تختلط فيها روى الواقع برؤى الحلم من
-1حمدي أبو جليل ،أسراب النمل ،إبداعات ،الهيئة
العامة لقصور الثقافة ص.85 خلال لغة سردية خالصة.
كذلك يمزج فيها لمؤلف بين روح السخرية ،وبين
Gerard Genette Structuralism and -2 رؤى مأساوية تتصل بالأحداث الوطنية ،وهو يملك
literary Twentieth Century literary theory بذلك زمام تحريك الأحداث إن وجدت ،ونستطيع
A reader edited and introduced هنا أن نقول إن نصوص المجموعة بصفة عامة
136 By K.M. Newton ونص الزعيم بصفة خاصة لا نعثر فيها على
-3د.مصطفى ناصف ،نظرية المعنى في النقد الأحداث بطريقة مباشرة ،وإنما الحدث الرئيسي
العربي ،دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزيع .د.
ت ،ص.72