Page 36 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 36

‫ذكاء أحمد بن طولون فى السياسة الداخلية‬
                       ‫‪.................................‬‬

‫اتبع أحمد بن طولون سياسة داخلية أكسبته حب المصريين وتأييدهم‪ .‬ومن‬
‫الواضح أن أحمد بن طولون كان يسعى لتأمين مركزه في مصر وتثبيت استقلاله بها ‪،‬‬
‫فكان لابد له من الاعتماد على سلامة الجبهة الداخلية للصمود في وجه أعدائه في‬
‫الخارج ‪ ،‬وبصفة خاصة الموفق لذلك حرص أحمد بن طولون على إقرار الأمن والنظام‬
‫داخل البلاد ‪ ،‬وقضى في حزم على الثورات والفتن الداخلية ‪ ،‬مثل ثورة بغا الصغير‬
‫وثورة ابن الصوفي العلوي وثورة العمري ‪ ،‬وبذلك اطمأن الناس على أرواحهم‬

                          ‫وأموالهم ‪ ،‬وساد البلاد جو من الهدوء والأمن والاستقرار‪.‬‬

‫ومن المعروف في التاريخ أن الرخاء الاقتصادي هو المفتاح الذي يستطيع أي‬
‫حاكم أن ينفذ به إلى قلوب الشعب ‪ ،‬لذلك حرص أحمد بن طولون على استرضاء أهل‬
‫مصر عن طريق إلغاء الضرائب الظالمة التي فرضها وإلى الخراج السابق – ابن‬
‫المدبر – عليهم‪ .‬وأقصى ابن طولون عن ديوان الخراج كل من تشكك في ذمته ‪ ،‬بحيث‬
‫صار ديوان الخراج لا يضم إلا مجموعة من الموظفين الأكفاء المشهود لهم بالأمانة‬
‫والعدالة‪ .‬ولكي يضفي ابن طولون جواً من الثقة على المعاملات الاقتصادية ‪ ،‬سك‬
‫ديناراً جديداً عرف بالدينار الطولوني امتاز بدقة عياره وثقل وزنه وخلوه من الغش‬

                                                                         ‫والفساد‪.‬‬

‫وصحب هذه السياسة حرص شديد من ابن طولون على رعاية شهون الزراعة‬
‫والصناعة والتجارة ‪ ،‬فأحسن إلى الفلاحين وخفف عنهم الأعباء المالية ‪ ،‬وقدم لهم من‬
‫الإصلاحات الزراعية ‪ ،‬ما جعل إنتاج القمح يتضاعف في البلاد حتى بيعت العشرة‬
‫أرادب بدينار واحد‪ .‬وشجع الصناعة عن طريق تخفيف الأعباء المالية عن الصناع ‪،‬‬
‫كما أمن الطرق وخفف الضرائب مما أدى إلى تشجيع التجارة الداخلية والخارجية‪ .‬وقد‬
‫رف ابن طولون أن يحتكر بع أصناف المتاجر ‪ ،‬بل رف أن يشغل بع أمواله‬
‫في التجارة لما في ذلك من مضاربة للتجار في أرزاقهم‪ .‬وروى الذهبي وأبو المحاسن‬
‫أن بع التجار حسن لأحمد بن طولون التجارة ‪ ،‬فدفع له أحمد بن طولون خمسين‬
‫ألف دينار يتجر له بها‪ .‬ولكن ضمير ابن طولون لم يلبث أن أنبه فأرسل في الحال إلى‬

                                                 ‫التاجر وأخذ منه المال وتصدق به‪.‬‬

‫هذا كله بالإضافة إلى ما أجمعت عليه المصادر من أن أحمد بن طولون كان‬
‫يتصدق كل شهر بألف دينار ‪ ،‬فضلاً عن المنشآت الجليلة النافعة التي قام بها‪ .‬ويقول‬

                                              ‫‪36‬‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41