Page 34 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 34

‫وهكذا تمكن أحمد بن طولون من التغلب على المتاعب الداخلية ‪ ،‬وساعد أحمد بن‬
‫طولون في تحقيق كل هذه الانتصارات أن حماه يارجوج – صاحب ولاية مصر الفعلي‬
‫– أطلق يده في مصر وجعل منه الحاكم الفعلي عليها ‪ ،‬وقال له تسلم من نفسك‬

                                                                        ‫لنفسك ‪.‬‬

‫وفي خلال ذلك واصل أحمد بن طولون مساعيه في بلاط الخليفة العباسي لتحقيق‬
‫سيادته الفعلية على مصر ‪ ،‬فورد عليه كتاب الخليفة بأنه يتسلم الأعمال الخارجة عن‬
‫أرض مصر ‪ ،‬فتسلم الإسكندرية ‪ ،‬ولما علم أحمد بن طولون أن عامل البريد – وهو‬
‫شقير يلام أم المعتز – يرسل سراً إلى دار الخلافة يحذر من أحمد بن طولون ومطامعه‬
‫‪ ،‬أخذ يسعى لعزل شقير من منصبه حتى حقق يرضه بعد مصرع المعتز وزوال سلطان‬
‫أمه ‪ ،‬وأصبح البريد خاضعاً لابن طولون‪ .‬أما ابن المدبر عامل الخراج فكان الصراع‬
‫بينه وبين أحمد بن طولون مريراً طويلاً ‪ ،‬حتى إذا ما أرسل الخليفة المعتمد إلى أحمد‬
‫بن طولون يستحثه في جمع الأموا ل‪ ،‬كتب ابن طولون إلى الخليفة يقول لست أطيق‬
‫ذلك والخراج في يد ييري!! فقلده الخليفة الخراج كما ولاه الثغور الشامية ‪ ،‬وبذلك‬
‫صار الأمر كله بيد أحمد بن طولون ‪ ،‬وقويت شوكته بذلك وعظم أمره بديار مصر ‪.‬‬

                                                  ‫وكان ذلك سنة ‪ 263‬هـ ‪876 /‬م‪.‬‬

‫ولكن هذا لم يكن كل شئ في نظر أحمد بن طولون ‪ ،‬لقد أخذ يطمع في تحقيق‬
‫الاستقلال لنفسه بحيث يضمن عدم عزله وبقاء الحكم في بيته ‪ ،‬مع اعتراف الخلافة‬
‫العباسية بوضعه ‪ ،‬حيث أن المسلمين في تلك العصور كانوا لا يحترمون حاكماً لا‬
‫يحظى بعطف الخلافة وتأييدها‪ .‬ولم تكن الصعوبة التي تواجه أحمد بن طولون من‬
‫جانب الخليفة المعتمد الذي ربطته بابن طولون رابطة صداقة قوية ‪ ،‬وإنما نشات هذه‬
‫الصعوبة من جانب أبي أحمد الموفق ‪ ،‬أخي الخليفة الذي استأثر بالنفوذ في دار‬
‫الخلافة ولم يبق للخليفة من الخلافة إلا اسمها‪ .‬وقد حدث أثناء اشتداد ثورة الزنج ضد‬
‫الخلافة في العراق أن طلب الموفق من أحمد بن طولون معونة مالية تستعين بها‬
‫الخلافة على إخماد تلك الثورة ‪ ،‬فأمده أحمد بن طولون بمليون ومائتي ألف دينار‪.‬‬
‫ولكن الموفق لم يرض بهذا المبلذ وأرسل إلى أحمد بن طولون رسالة يوبخه فيها‬

                                      ‫وينذره ‪ ،‬فرد عليه ابن طولون برسالة قاسية‪.‬‬

‫وكان أن أضمر الموفق لأحمد بن طولون شراً ‪ ،‬فحاول أن يعزله عن ولاية مصر‪،‬‬
‫ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل سنة ‪ 264‬هـ‪877 /‬م لأن أحمد بن طولون كان قد‬
‫قوى مركزه في البلاد فلم يجره أحد على مهاجمته لإخراجه من مصر بالقوة‪ .‬وعندما‬
‫اكتشف الموفق عجزه عن زحزحة أحمد بن طولون من مصر ‪ ،‬واصل سعيه حتى‬
‫استصدر من الخليفة امراً بعزله عن ولاية ثغور الشام ‪ ،‬ولكن أحوال تلك الثغور اختلت‬

                                              ‫‪34‬‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39