Page 138 - merit 49
P. 138

‫العـدد ‪49‬‬                                                         ‫‪136‬‬

                                                                                                    ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

 ‫مورد الماء‪ ،‬الذي َت ْش َرع فيه ال َّدوا ُّب‬                                                          ‫الكريم هي ملة العقل والوصول‬                                     ‫والملة باسم الآخر في بعض المواضع‬
  ‫وه ُّمها طلبها‪ .‬وقال بعض العلماء‬                                                                       ‫إلى الله من خلال الفكر‪ ،‬وهي‬                                  ‫لتقارب معنييهما‪ ،‬والاصل ما قلناه‪،‬‬
   ‫ُس ِّم َيت ال َّشريع ُة َتشبي ًها ب َشري َع ِة‬                                                                                                                     ‫والفرس تزعم أن الدين لفظ فارسي‬
   ‫الما ِء بحي ُث إ َّن َم ْن َش َر َع فيها على‬                                                       ‫ملة التأمل في ملكوت السماوات‬
   ‫ال َحقيقة ال َمصدو َق ِة َر ِو َي و َت َط َّه َر‪.‬‬                                                   ‫والأرض‪ ،‬كما أنها هي ملة الرد‬                                       ‫وتحتج بأنهم يجدونه في كتبهم‬
     ‫وقد ورد في القرآن على لسان‬                                                                      ‫على الإساءة بالإحسان والمناقشة‬                                    ‫المؤلفة قبل دخول العربية أرضهم‬
     ‫العديد من الأنبياء قولهم إنهم‬                                                                                                                                     ‫بألف سنة‪ ،‬ويذكرون أن لهم خ ًّطا‬
       ‫مسلمون‪ ،‬فقال الله عن نوح‬                                                                          ‫بالحجة والبرهان‪ ،‬لا بالغلظة‬                                     ‫يكتبون به كتابهم المنزل بزعمهم‬
   ‫ِمعلَنيها ْالُل ْسلِسلِماي َمن»« َو(أُي ِمو ْرن ُتس َأ‪ْ :‬ن‪َ 7‬أ) ُ‪.‬كوو َنعن‬                         ‫والإكراه‪ .‬فقد كان العقل والمنطق‬                                  ‫يسمى دين دوري‪ ،‬أي كتابه الذي‬

‫إبراهيم عليه السلام «إِ ْذ َقا َل َل ُه َر ُّب ُه‬                                                      ‫‪-‬لا النقل والنص‪ -‬هما أساس‬                                         ‫سماه بذلك صاحبهم زرادشت‪،‬‬
    ‫َأ ْسلِ ْم َقا َل َأ ْس َل ْم ُت لِ َر ِّب ا ْل َعا َلِي َن»‬                                        ‫ملة إبراهيم‪ ،‬فنراه يحا ُّج قومه‬                                 ‫ونحن نجد للدين أص ًل واشتقا ًقا‬
   ‫(البقرة‪ .)131 :‬وعن موسى عليه‬                                                                      ‫في طفولته‪َ “ :‬قا ُلوا َأ َأن َت َف َع ْل َت َٰه َذا‬               ‫صحي ًحا في العربية‪ ،‬وما كان كذلك‬
                                                                                                        ‫ِبآلِ َهتِ َنا َيا إِ ْب َرا ِهي ُم َقا َل َب ْل َف َع َل ُه‬
‫السلام‪« :‬يا َق ْو ِم إِ ْن ُك ْن ُت ْم آ َم ْن ُت ْم ِبال َّلِ‬                                        ‫َكبِي ُر ُه ْم َه َذا َفا ْس َأ ُلو ُه ْم إِن َكا ُنوا‬              ‫لا نحكم عليه بأنه أعجمي‪ ،‬وإن‬
    ‫َف َع َل ْي ِه َت َو َّكلُوا إِ ْن ُك ْن ُت ْم ُم ْسلِ ِمي َن»‬                                  ‫َين ِط ُقو َن َف َر َج ُعوا إِ َل َأن ُف ِس ِه ْم َف َقا ُلوا‬      ‫صح ما قالوه فإن الدين قد حصل‬
      ‫(يونس‪ .)84 :‬وعن حواريي‬                                                                          ‫إِ َّن ُك ْم َأن ُت ُم ال َّظا ِلُو َن ُث َّم ُن ِك ُسوا َع َل‬   ‫في العربية والفارسية اس ًما لشيء‬
                                                                                                         ‫ُر ُءو ِس ِه ْم َل َق ْد َعلِ ْم َت َما َه ُؤ َل ِء‬           ‫واحد على جهة الاتفاق‪ ،‬وقد يكون‬
‫المسيح‪َ “ :‬وإِ ْذ َأ ْو َح ْي ُت إِ َل ا ْل َح َوا ِر ِّيي َن‬                                           ‫َين ِط ُقو َن» (الأنبياء‪)65 -62 :‬‬                               ‫على جهة الاتفاق ما هو أعجب من‬
   ‫َأ ْن آ ِم ُنوا ِبي َو ِب َر ُسو ِل َقا ُلوا آ َمنَّا‬
   ‫وا ْش َه ْد ِب َأ َّن َنا ُم ْسلِ ُمو َن” (المائدة‪:‬‬                                                    ‫وملة إبراهيم أيضا هي ملة‬                                       ‫هذا‪ ،‬وسميت الملة ملة لاستمرار‬
   ‫‪ .)111‬وعن سليمان عليه السلام‬                                                                     ‫الثورة على فكر «السلف»‪ ،‬ورفض‬                                         ‫أهلها عليها‪ ،‬وقيل أصلها التكرار‬
    ‫على لسان ملكة سبأ‪َ « :‬ر ِّب إِ ِّني‬
                                                                                                       ‫الانصياع الأعمى له‪ ،‬إ ًذا فاتباع‬                                    ‫من قولك طريق مليل إذا تكرر‬
‫َِ َّظ َللِ ْم َر ُت ِّب َناْفْل َِعسا َلِيي ََنو َأ» ْ(ساَللْمن ُمتل َ‪:‬م َع‪ُ44‬س) َل‪ْ .‬ي َموا َعنن‬  ‫ملة إبراهيم هي اتباع الطريقة التي‬                                  ‫سلوكه حتى توطأ‪ ،‬ومنه الملل وهو‬
   ‫الأنبياء الذين سبقوا‪َ « :‬ي ْح ُك ُم ِب َها‬
                                                                                                       ‫سلكها إبراهيم من إعمال العقل‬                                        ‫تكرار الشيء على النفس حتى‬
‫النَّبِ ُّيو َن الَّ ِذي َن َأ ْس َل ُموا لِلَّ ِذي َن َها ُدوا»‬                                       ‫والتفكر وعدم استعمال العنف‬                                        ‫تضجر‪ ،‬وقيل الملة مذهب جماعة‬
                   ‫(المائدة‪.)44 :‬‬                                                                                                                                       ‫يحمي بعضهم لبعض عند الأمور‬
                                                                                                                ‫ومقابلته بالإحسان‪.‬‬
                                                                                                        ‫أما الشريعة في اللغة فهي من‬                                                          ‫الحادثة»‪.‬‬
                                                                                                         ‫شريعة الماء‪ ،‬وجاء في (لسان‬                                   ‫وهي أي ًضا اتباع من سبقك‪ ،‬وجاءت‬
                                                                                                    ‫العرب) لابن منظور‪ :‬ال َّشريعة هي‬                                  ‫من الفعل يملي‪ ،‬فيجب أن يوجد من‬

                                                                                                                                                                        ‫يمليك لتكتب ما يقول‪ .‬ولم توجد‬
                                                                                                                                                                        ‫المِلَّة مضافة إلى الله‪ ،‬فلا يقال ملة‬

                                                                                                                                                                          ‫الله لكن تضاف إلى النبي الذي‬
                                                                                                                                                                       ‫تسند إليه مثل قوله تعالى «فاتبعوا‬

                                                                                                                                                                          ‫ملة إبراهيم» (آل عمران‪.)95 :‬‬
                                                                                                                                                                       ‫فدعونا نعرف ما هي ملة إبراهيم‬
                                                                                                                                                                      ‫التي نتبعها كمسلمين تب ًعا لإبراهيم‬
                                                                                                                                                                       ‫وندعو بها صبا ًحا ومسا ًء مع دين‬
                                                                                                                                                                        ‫سيدنا محمد‪ .‬هنا سأقتبس جز ًءا‬

                                                                                                                                                                          ‫من مقال للدكتور توفيق حميد‬
                                                                                                                                                                          ‫‪-‬وهو طبيب ومفكر وباحث في‬
                                                                                                                                                                          ‫مجال الإسلام السياسي‪ -‬كتب‬
                                                                                                                                                                      ‫فيه «ملة إبراهيم كما ذكرها القرآن‬
   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143