Page 210 - merit 49
P. 210
العـدد 49 208
يناير ٢٠٢3 وح ًّقا لقد تركت هذه
الإرساليات تأثيرها على
الحياة المدنية والمساواة كثيرون .فقد حاول كلاهما إصلاحات محمد علي باشا
بين المواطنين وحمايتهم أن ينقل من الأدب الأوروبي التنموية ،حيث أصبح لمصر
من أى جور أو تع ٍّد عليهم وخاصة الفرنسي إلى الأدب درع وسيف ،فاستطاع جيش
طالما احترموا القانون ولم مصر بجنوده الفلاحين أن
العربي ،ما يلبي احتياجات يعيد لمصر في سنوات قلائل
يرتكبوا الجرائم. الشرائح الاجتماعية الجديدة. دورها الإقليمي ،وألحقت
وقد ساهمت الإرساليات مصر بالنظام الرأسمالي
العلمية إلى بلاد أوروبا في وأعطى الإنجاز في حقل وبذات أدوات الرأسمالية
تمييز الشخصية المصرية التعليم والثقافة لمصر دورها الأوروبية ،حيث حققت
التنمية الاقتصادية تراك ًما
وتمايزها عن هويات الريادي المتميز في العالم ملحو ًظا استثمر في تمويل
الشعوب المجاورة ،وقد العربي ،ولقد قدم هؤلاء المشروع الطموح بمختلف
حرص الباشا على تعضيد المبعوثين خدمات جليلة أبعاده دون الاستدانه من
هذه الهوية فى المؤسسات للدولة ،ولا شك أن الثمرة الخارج ،بل حقق الاقتصاد في
الحقيقية التي جناها المجتمع نهاية عصر محمد على فائ ًضا
الدينية وفى المناهج المصرى من هذه الإرساليات استثمر بعضه عباس الأول
التعليمية ،وكذلك في الجندية هى الاستغناء عن الأجانب في بناء خط السكك الحديدية.
وإحلال أعضاء الإرساليات وقد غاب العدل الاجتماعي،
والحروب التي خاضها وأثقلت تكاليف التجربة
جيشه في السودان وسوريا فى أماكنهم .أي تولى كواهل الجماهير الكادحة،
المصريون شؤون بلادهم، أجل ،ولكن رصيد مصر من
وفلسطين واليونان. وهؤلاء كانوا أداة الحداثة حصاد التجربة كان له أثره
والحقيقة أن الحروب والتنوير في الدواوين ،وإدارة على تطورها الحديث ،فلم تعد
الناجحة التي خاضها في أجهزة الدولة المصرية على مصر محمد علي هي ذاتها
هذه الأقطار قد عضدت هذه مصر التي كانت قبله.
الهوية ،أو لو شئنا لنقل النمط الأوروبي. وكان لهذه الإرساليات
القومية المصرية على نحو لم وبفضل الإرساليات العلمية انطباعاتها العميقة على
يحدث لأي قطر آخر تابع
للخلافة العثمانية ،بل إن إلى بلاد أوروبا حدثت المجتمع المصرى ،فقد
القومية التركية نفسها لم تحولات في المجتمع المصري صحبها نشاط كبير فى نواح
تتشكل بشكل متمايز سوى من مجتمع تقليدي ديني إلى
بعد ذلك بنصف قرن على مجتمع مدني حديث ،تحت ثقافية مختلفة كبدء ظهور
الصحافة المطبوعة ،والتأليف
الأقل. الحكم الوطني ،فالتعليم والترجمة ،لقد نبغ كثيرون
المدنى الذي أقامه محمد من أعضائها فمنهم علي مبارك
ماذا بقى من كل علي مواز ًيا للتعليم الدينى الذي نستطيع أن نلقبه بأبى
إنجازات عصر محمد التقليدى أوجد ازدواجية
فى الثقافة والفكر في مصر، التعليم ،كذلك رفاعة رافع
علي؟ خاصة وأن الباشا اختص الطهطاوى الذي يمكننا أن
خريجى المدارس الحديثة نلقبه بأبى الترجمة ..وغيرهم
على الرغم من مرور253 بوظائف الحكومة ،وهذه
عا ًما على َمولِد محمد علي الازدواجية التي زرعت
بذورها أيام الحملة الفرنسية
باشا إلا أن العديد من مهدت تدريجيًّا لمجتمع مدني
الباحثين يسعون إلى تشويه مصري .وقد وضع الباشا
لهذا المجتمع قوانين لتنظيم
سيرته ،وتجربته في بناء
مصر «النموذجية»؛ حيث