Page 211 - merit 49
P. 211

‫‪209‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫جمال الدين الشيال‬               ‫مسيو جومار‬                    ‫يرون أنها تجربة فردية سعي‬
                                                                 ‫من خلالها أن يكون الحكم‬
‫تضم مصر والسودان‪ ،‬لكن‬            ‫من الدولة العثمانية‪ ،‬تسرى‬
 ‫خلفاءه لم يتمتعوا بالحزم‬         ‫عليها قوانينها ومعاهداتها‬    ‫في (دولته) وراثيًّا في أسرته‪،‬‬
      ‫والشجاعة والمهارات‬         ‫مع الدول‪ ،‬وأن جيش مصر‬             ‫محاولين طمس واختزال‬
    ‫الذهنية‪ ،‬ربما فيما عدا‬         ‫جزء من جيش السلطان‪،‬‬            ‫مجهوداته في هذه المقولة‪.‬‬
    ‫الخديو إسماعيل‪ ،‬لذلك‬           ‫وأنه لا يجوز لوالي مصر‬
    ‫ستسقط مصر سري ًعا‬                                         ‫ونسي هؤلاء وضع مصر قبل‬
     ‫فى أيدى إنجلترا وهي‬            ‫أن يبني سفنًا حربية إلا‬      ‫تولي الباشا السلطة وبعده‪،‬‬
 ‫العدو الأول للباشا‪ .‬ولكن‬         ‫بموافقة السلطان‪ ،‬ومنحت‬
 ‫تجربة محمد علي لم تنته‪،‬‬          ‫التسوية حكم مصر وراثيًّا‬    ‫إلا أنه بعد مرور ما يقرب من‬
 ‫حيث بقيت العقول المفكرة‬         ‫لأسرة محمد علي‪ .‬وبذلك لم‬       ‫قرنين على تجربته فقد ثبت‬
    ‫والكوادر القيادية ممن‬          ‫يب َق لمحمد علي سوى حق‬       ‫لدى عامة الكتاب والمؤرخين‬
   ‫أرسلوا في إرساليات إلى‬          ‫التصرف في موارد البلاد‬       ‫أنها تجربه فريدة من نوعها‬
‫أوروبا وتعلموا ونجحوا في‬         ‫وفق ما يراه‪ ،‬بعد أن يؤدي‬
  ‫النهوض بمصر عسكر ًّيا‬          ‫الجزية المفروضة على مصر‬       ‫ويريدون الآن إعادة تطبيقها‪.‬‬
       ‫واقتصاد ًّيا وثقافيًّا‪،‬‬                                     ‫ولعل السؤال الذي لا بد‬
   ‫وسوف يحملون مشعل‬                        ‫للدولة العثمانية‪.‬‬
   ‫الحداثة والتنوير بشكل‬            ‫وهكذا أصيب محمد علي‬          ‫أن يتبادر إلى الذهن‪ ،‬بشأن‬
‫أوضح خلال عصر الخديو‬               ‫بالاكتئاب في أواخر أيامه‪،‬‬  ‫تقييم هذا الدور وهذه الجهود‬
‫إسماعيل وربما حتى يومنا‬
                     ‫هذا‬              ‫وتجمعت عليه أمراض‬           ‫هو‪ :‬ماذا بقى من كل هذه‬
                                   ‫الشيخوخة ليسقط الأسد‬           ‫الإنجازت بعد نهاية عصر‬
                                ‫العجوز في ‪ 2‬أغسطس ‪1849‬‬          ‫محمد علي مباشرة؟ الإجابة‬
                                    ‫تار ًكا وراءه دولة كبرى‬   ‫‪-‬للأسف‪ -‬هي‪ :‬لم يب َق الكثير‪.‬‬
                                                                ‫ويمكن الرد على هذه الإجابة‬
                                                              ‫بأن ضياع هذه الدولة الحديثة‬
                                                                  ‫ليس مسؤولية محمد علي‪،‬‬
                                                                  ‫وإنما هي مسؤولية الدول‬
                                                               ‫التي تحالفت مع الباب العالي‬
                                                                  ‫ضده‪ .‬فسياسة محمد علي‬
                                                               ‫الاقتصادية وقوته العسكرية‬
                                                                ‫تسببت في إزعاج الرأسمالية‬
                                                                  ‫الأوروبية‪ ،‬إذ لم تتفق مع‬
                                                                ‫أفكارها ومصالحها‪ .‬فسعت‬
                                                              ‫الدول الأوروبية ‪-‬وعلى رأسها‬
                                                                ‫بريطانيا‪ -‬إلى تحطيم مصر‬
                                                               ‫اقتصاد ًّيا ثم عسكر ًّيا بتوقيع‬

                                                                    ‫الدولة العثمانية لمعاهدة‬
                                                                ‫بالطه ليمان في ‪ 16‬أغسطس‬
                                                               ‫‪ ،1838‬وتسوية لندن ‪،1840‬‬

                                                                  ‫وألزمت محمد علي بتنفيذ‬
                                                                 ‫هذه المعاهدات المبرمة طب ًقا‬
                                                                 ‫للتسوية النهائية عام ‪1841‬‬
                                                                  ‫على أساس أن مصر جزء‬
   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215   216