Page 206 - merit 49
P. 206

‫العـدد ‪49‬‬                       ‫‪204‬‬

                                        ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬                 ‫أصبح كثي ًرا منهم فع ًل قادة‬
                                                                     ‫النهضة الحديثة في البلاد‪.‬‬
 ‫على إمداد أعضاء الإرساليات‬         ‫وجنسياتهم وأعمارهم؛‬             ‫ومن هذا المنطلق بدأ محمد‬
‫بالكتب الأجنبية في شتى علوم‬      ‫بقدر ما كانت تشغله فكرة‬
                                 ‫الاستِ ْغ َناء عن الأجانب‪ .‬وفي‬  ‫علي باشا في إيفاد الإرساليات‬
    ‫المعرفة‪ ،‬وكلفهم بترجمتها‬   ‫ذات السياق كان حري ًصا على‬          ‫العلمية إلى دول أوروبا لبناء‬
   ‫في أقصر وقت‪ ،‬وغالبًا كان‬       ‫التزام أعضاء الإرساليات‬         ‫مصر الحديثة خلال المدة من‬
    ‫يتم ترجمتها وهم بالحجر‬                                        ‫(‪ .)1847 -1813‬وهنا يمكننا‬
‫الصحي‪ ،‬والطريف أن بعضهم‬             ‫بعادات وتقاليد المجتمع‬
    ‫كانت الترجمة تشغله عن‬                        ‫المصري‪.‬‬             ‫تحديد أغراضها في النقاط‬
‫واجبات وظيفته التي يتقلدها‪،‬‬                                                           ‫الآتية‪:‬‬
                                    ‫ثالثا‪ :‬تحقيق الاستقلال‬
     ‫والبعض منهم لم يكن له‬         ‫العلمي لمصر عن الغرب‪،‬‬         ‫أو ًل‪ :‬تكوين جيل من الأساتذة‬
     ‫من حذق اللغات الأجنبية‬       ‫لأنه بتخصص أبناء مصر‬           ‫والعلماء يكونون مثقفين ثقافة‬
‫والعربية‪ ،‬والقدرة على التحرير‬     ‫المبعوثين في علوم متنوعة‬
  ‫والكتابة ما يمكنه ترجمة ما‬        ‫يكون الباشا قد نجح في‬           ‫أوروبية‪ ،‬بعد أن يكونوا قد‬
‫عهد إليه ترجمته‪ ،‬فلما أنشئت‬        ‫التخلص من الاحتياج إلى‬        ‫أتقنوا العديد من اللغات ليحلوا‬
   ‫مدرسة الألسن‪ ،‬وكون قلم‬         ‫المتخصص الأجني‪ ،‬وبهذا‬
  ‫الترجمة من خريجيها‪ ،‬رفع‬          ‫يضمن الاستقلال العلمي‬            ‫بعد عودتهم محل الأساتذة‬
   ‫عن أعضاء البعثات عبئًا «لا‬                                    ‫والأطباء والمهندسين والضباط‬
  ‫شك كان ثقي ًل على أكثرهم»‪.‬‬          ‫لبلاده التي كان يعمل‬
   ‫خام ًسا‪ :‬رغبة محمد علي في‬       ‫لاستقلالها‪ ،‬ولا يحب أن‬                  ‫والصناع الأجانب‪.‬‬
  ‫تحقيق مشروعه النهضوي؛‬                                             ‫ثانيا‪ :‬أن يكون أعضاء هذه‬
   ‫الذي يعتمد في المقام الأول‬         ‫تشوب هذا الاستقلال‬
     ‫على القوة العسكرية‪ ،‬أي‬        ‫شائبة‪ .‬ولذلك أخذ يرسل‬              ‫الإرساليات أداة صالحة‬
‫تكوين جيش وأسطول بحري‪،‬‬          ‫الإرساليات تبا ًعا إلى مختلف‬         ‫لنقل علوم الغرب وفنونه‪،‬‬
   ‫وترسانة في كل من بولاق‬      ‫الدول الأوروبية ليتخرجوا في‬         ‫وترجمتها إلى اللغة العربية‪،‬‬
 ‫والإسكندرية لصناعة السفن‬        ‫الصنائع والعلوم والفنون‪.‬‬        ‫فلم يكن محمد علي متطر ًفا في‬
   ‫الحربية والتجارية‪ .‬وأي ًضا‬  ‫راب ًعا‪ :‬تكوين مكتبات أوروبية‬       ‫النقل عن الغرب‪ ،‬وإلا لأبقى‬
  ‫مصانع للأسلحة والذخيرة‪،‬‬           ‫معربة داخل المؤسسات‬           ‫أساتذة الغرب‪ ،‬وجعل التعليم‬
  ‫وأقام القلاع والاستحكامات‬         ‫العلمية المصرية لتحقيق‬           ‫في مدارسه بلغات الغرب‪،‬‬
                                                                     ‫ولكنه كان رج ًل حصي َف‬
                                     ‫أغراضه في بناء مصر‬              ‫الرأى بعي َد النظر‪ ،‬فاحتفظ‬
                                 ‫الحديثة‪ .‬فقد حرص الباشا‬          ‫لمصر بقوميتها ولغتها‪ ،‬ونقل‬
                                                                     ‫إليها علوم الغرب رغم ما‬
‫تقرير عن على مبارك من المدرسة الفرنسية‬                              ‫كلفته هذه الغاية من مشاق‬

                                                                                    ‫وتكاليف‬
                                                                              ‫وقعت في المقام‬

                                                                                   ‫الأول على‬
                                                                                ‫كاهل الشعب‬

                                                                                  ‫وميزانيته‪.‬‬
                                                                                 ‫ومن الجدير‬

                                                                                  ‫بالذكر‪ ،‬أن‬
                                                                               ‫الباشا لم تكن‬

                                                                                 ‫تعنيه كثي ًرا‬
                                                                              ‫ثقافة المبعوثين‬
   201   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211