Page 201 - merit 49
P. 201

‫‪199‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫مراد بك‬                    ‫محمد خسرو باشا‬                   ‫«كان الأمراء بناحية التبين‬
                                                                ‫والألفي منعزل عنهم بناحية‬
‫«مكرم» والمشايخ أن دورهم‬         ‫علي»‪ .‬وقبل أن يبلغ الخلاف‬     ‫الطرانة‪ .‬والسيد عمر يراسله‬
‫صار ثانو ًّيا‪ ،‬وأن شأنهم آخذ‬      ‫السياسي بين «محمد علي»‬
                                 ‫و»عمر مكرم» ذروته بسبب‬           ‫ويعده ويذكر له‪ :‬بأن هذا‬
  ‫في الانخفاض روي ًدا روي ًدا‪،‬‬    ‫عدة قرارات مالية أصدرها‬      ‫القيام من أجلك وإخراج هذه‬
 ‫لأن الأوضاع اختلفت كثي ًرا‬     ‫الباشا‪ ،‬منها ما يتصل بإلغاء‬     ‫الأوباش‪ ،‬ويعود الأمر إليكم‬

   ‫منذ ذلك الوقت الذي كان‬           ‫«مسموح المشايخ»‪ ،‬وهي‬          ‫(البكوات) كما كان‪ ،‬وأنت‬
‫فيه السيد «عمر مكرم» قاد ًرا‬    ‫إعفاء ضريبي زراعي‪ ،‬ومنها‬        ‫المعني بذلك لظننا فيك الخير‬
 ‫على تحريك الناس واستثارة‬                                        ‫والصلاح والعدل‪ .‬فيصدق‬
                                    ‫ما يتصل بالتمهيد لتضع‬
  ‫العامة‪ ،‬إلى هذا الوقت الذي‬        ‫الدولة يدها على الأوقاف‬        ‫القول‪ ،‬ويساعده بإرسال‬
  ‫كان مثار الخلاف فيه بين‬                                             ‫المال لينفقه في صالح‬
   ‫الباشا والمشايخ يدور على‬           ‫التي كان المشايخ أكبر‬
‫محورين‪ :‬الأول هو مشاطرة‬              ‫المستفيدين منها‪ .‬وربما‬       ‫المقاتلين والمحاربين (ضد‬
  ‫الباشا لفئة الملتزمين (جباة‬       ‫يكون الخلاف قد بدأ منذ‬                    ‫خورشيد)»‪.‬‬
‫ضرائب الأطيان) ومن بينهم‬         ‫تلك اللحظة التي رفض فيها‬
 ‫المشايخ لأرباحهم وأوقافهم‬       ‫«محمد علي» عرض «مكرم»‬             ‫وعلى الوجه الآخر يصف‬
   ‫وثرواتهم‪ ،‬وهم فئة قليلة‬       ‫والمشايخ (سنة ‪1807‬م) أن‬           ‫«الجبرتي»‪« :‬ومحمد علي‬
   ‫ربما كان الناس في قرارة‬        ‫يخرجوا للجهاد مع الرعية‬
   ‫أنفسهم مرتاحين لسحب‬          ‫والعسكر‪ ،‬فكان جوابه‪« :‬ليس‬            ‫يداهن السيد عمر س ًّرا‬
                                 ‫على رعية البلد خروج‪ ،‬وإنما‬     ‫ويتعلق إليه ويأتيه في أواخر‬
     ‫امتيازاتهم‪ .‬والثاني هو‬      ‫عليهم المساعدة بالمال اللازم‬
   ‫استبعاد أي دور سياسي‬                                           ‫الليل وفي أوساطه‪ ،‬مترد ًدا‬
  ‫للمشايخ كطائفة أو رؤساء‬                 ‫لعلائف العسكر»‪.‬‬         ‫عليه في غالب أوقاته‪ ..‬بعد‬
   ‫طائفة مثل التوسط للعامة‬           ‫منذ تلك اللحظة اكتشف‬        ‫المعاهدة والمعاقدة والأيمان‬
                                                                   ‫الكاذبة على سيره بالعدل‬
                                                                  ‫وإقامة الأحكام والشرائع‪،‬‬
                                                                 ‫ولا يفعل أم ًرا إلا بمشورته‬

                                                                     ‫ومشورة العلماء‪ ،‬وأنه‬
                                                                 ‫متى خالف الشروط عزلوه‬

                                                                   ‫وأخرجوه‪ ،‬وهم قادرون‬
                                                                  ‫على ذلك كما يفعلون الآن‪،‬‬
                                                                   ‫فيتورط المخا َطب (مكرم)‬
                                                                  ‫بهذا القول ويظن صحته‪،‬‬

                                                                    ‫وأن كل الوقائع زلابية‪.‬‬
                                                                 ‫وكل ذلك س ًّرا لم يشعر به‬

                                                                                ‫بخلافهم»‪.‬‬
                                                                   ‫هكذا تورط «عمر مكرم»‪،‬‬
                                                                 ‫ليس في مؤامرات وصفقات‬
                                                                  ‫سياسية فقط‪ ،‬لكنه تورط‬
                                                                    ‫كذلك في خداع ومخاتلة‬
                                                               ‫ومراوغة‪ ،‬كأنه تحول إلى أداة‬
                                                                  ‫طيعة في يد عسكري خبير‬
                                                               ‫وسياسي داهية اسمة «محمد‬
   196   197   198   199   200   201   202   203   204   205   206