Page 200 - merit 49
P. 200

‫العـدد ‪49‬‬                             ‫‪198‬‬

                                ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬                      ‫جيش العثمانيين إلى القاهرة‬
                                                               ‫ونشبت بتحريض منهم ثورة‬
  ‫في الانقلاب الذي قاد لطرد‬      ‫المماليك‪ ،‬وهي سياسة نفذها‬
  ‫الباشا خسرو‪ ،‬وكذلك كان‬        ‫باشاوات العثمانيين‪ ،‬فسيروا‬         ‫القاهرة الثانية (‪1800‬م)‬
‫ما عليه الحال خلال الانقلاب‬     ‫الحملات لتعقبهم ومطاردتهم‬            ‫لم ينضم «عمر مكرم»‬
                                 ‫في الوجه البحري والصعيد‪.‬‬
     ‫الذي طاح برأس «طاهر‬         ‫وفي المقابل تتالت الانقلابات‬      ‫إلى المشايخ في وساطتهم‬
   ‫باشا»‪ .‬لكنه رحب ترحيبًا‬                                          ‫لإخماد الثورة‪ ،‬وانضم‬
‫كبي ًرا بالحكومة الثلاثية التي‬      ‫التي نفذها رؤساء الجند‬
 ‫تكونت من ثلاثة من المماليك‬         ‫العثمانيين ضد باشاوات‬         ‫إلى صفوف الثائرين‪ .‬كان‬
‫ورؤساء الجند كان من بينهم‬          ‫الباب العالي‪ ،‬وبين وجهي‬        ‫مع «المحروقي» شاه بندر‬
                                                                ‫التجار وأتباعهما يغذون نار‬
               ‫«محمد علي»‪.‬‬            ‫الرحى ينسحق الأهالي‬       ‫الثورة‪« :‬يمرون في كل وقت‬
  ‫لم يكف نقيب الأشراف عن‬              ‫بمظالم شتَّى‪ ،‬من جور‬         ‫ويأمرون الناس بالقتال‪،‬‬
  ‫التوسط عند الحكام لقضاء‬           ‫الإتاوات والفرد والسلف‬      ‫ويحضونهم على الجهاد‪ ،‬مع‬
‫حوائج العامة ورفع مظالمهم‪،‬‬      ‫الإجبارية إلى اعتداءات الجند‬     ‫اتضاح عدم جدواه»‪ .‬وبعد‬
                                   ‫على أرواحهم وممتلكاتهم‪.‬‬
   ‫لكنه كان يفعل ذلك بحذر‬                                           ‫تهديد الفرنسيين بحرق‬
 ‫ودون انتظار لنتائج‪ .‬بل ولم‬             ‫خلال فترة الفوضى‬           ‫القاهرة كلها لو لم يخرج‬
‫يشارك في احتجاجات الشعب‬               ‫والاضطراب السياسي‬             ‫منها العثمانيون؛ فشلت‬
‫ضد المظالم التي وقعت خلال‬         ‫والدموي اتسمت سلوكيات‬        ‫الثورة التي يجمل «الجبرتي»‬
  ‫تلك الفترة‪ ،‬فلم يشارك على‬       ‫السيد «عمر مكرم» بالحذر‬        ‫أسباب فشلها بأنها‪« :‬توقع‬
‫أي نحو في المظاهرة الشهيرة‬       ‫الشديد‪ ،‬لم يعد يبدي علاقة‬      ‫الهلاك كل لحظة‪ ،‬والتكليف‬
  ‫التي هتفت‪« :‬إيش تاخد من‬            ‫وثيقة بالبكوات المماليك‬   ‫بما لا يطاق‪ ،‬ومغالبة الجهلاء‬
                                     ‫كما كان شأنه‪ ،‬وحرص‬        ‫على العقلاء‪ ،‬وتطاول السفهاء‬
  ‫تفليسي يا برديسي» (أحد‬               ‫على حضور احتفالات‬        ‫على الرؤساء‪ ،‬وتهور العامة‪،‬‬
    ‫أفراد الحكومة الثلاثية)‪.‬‬      ‫تلاوة الفرمانات السلطانية‬     ‫ولغط الحرافيش‪ ،‬وغير ذلك‬
      ‫ولم يشارك في الركوب‬           ‫أو لوصول كسوة الكعبة‬
     ‫مع المشايخ الذين ذهبوا‬                                          ‫مما لا يمكن حصره»‪.‬‬
     ‫للتوسط عند البكوات في‬              ‫الشريفة من حضرة‬           ‫لزم «عمر مكرم» معسكر‬
                                      ‫السلطان‪ .‬وقد صادفته‬      ‫الأمراء المماليك بعد ذلك حتى‬
 ‫جمهور صاخب لرفع الفردة‬          ‫خلال تلك الأيام أزمة انتزاع‬    ‫خروج الفرنسيين من مصر‬
     ‫التي قرروها على العقار‬       ‫منصب نقيب الأشراف منه‬         ‫(‪1801‬م)‪ ،‬ورجع ضمن من‬
   ‫والأملاك‪ .‬وفي تلك الفترة‬          ‫عن طريق الوالي «محمد‬         ‫رجعوا وهو يلبس «خلعة‬
                                     ‫خسرو باشا»‪ ،‬بإسناده‬
   ‫نفسها تمكن «محمد علي»‬          ‫إلى شخص يدعى «يوسف‬                 ‫من السمور» دلي ًل على‬
   ‫من توثيق علاقته بـ»عمر‬         ‫أفندي»‪ ،‬وبذل السيد «عمر‬        ‫تكريم العثمانيين والمماليك‬
‫مكرم» وإقناعه بوجوب إنهاء‬             ‫مكرم» قصارى جهده‬           ‫له ورضائهم عنه‪ ،‬ثم أعيد‬
‫سلطان الأمراء المماليك‪ .‬وبلغ‬        ‫لاسترداد منصبه‪ ،‬ليعود‬       ‫له منصب «نقيب الأشراف»‬
  ‫من تحمس نقيب الأشراف‬           ‫إليه بعد أقل من شهرين عن‬         ‫ويحتل مكان الصدارة في‬
                                  ‫طريق قرار سلطاني صادر‬          ‫العهد الجديد‪ ،‬لكنه بطبيعة‬
     ‫لتمكين «محمد علي» أنه‬       ‫مباشرة من الديار الرومية‪،‬‬
    ‫مارس المخاتلة والتضليل‬        ‫وبقى «مكرم» بعدها مقر ًبا‬        ‫الحال لم يكن غير عصر‬
 ‫مع حليفه القديم «محمد بك‬           ‫من «خسرو» ومن رجال‬            ‫فوضى سياسية‪ ،‬إذ تميز‬
  ‫الألفي»‪ ،‬وفوت عليه فرصة‬        ‫الدولة‪ ،‬لكنه لم يحرك ساكنًا‬    ‫بسياسة جديدة للباب العالي‬
  ‫استرجاع الحكم أثناء أزمة‬                                        ‫تقوم على اجتثاث بكاوات‬
     ‫الثورة على «خورشيد»‪.‬‬
 ‫وحسب وصف «الجبرتي»‪:‬‬
   195   196   197   198   199   200   201   202   203   204   205