Page 198 - merit 49
P. 198

‫العـدد ‪49‬‬                             ‫‪196‬‬

                               ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬                        ‫يمارسونها وساطة عرفية‬
                                                                ‫من وجهة نظر الحكام‪ ،‬ولم‬
                 ‫لحد كبير‪.‬‬       ‫لكن أزمة المشايخ الحقيقية‬     ‫تكن ملزمة لهم بأية طريقة‪،‬‬
‫الحقيقة أن المشايخ المصريين‬          ‫تمثلت في لقائهم لأول‬
‫كانوا يودعون للمرة الأخيرة‬                                         ‫إلا من جهة قدرتها على‬
                                  ‫مرة ‪-‬كطائفة ذات تركيب‬          ‫تهدئة العامة وقت اللزوم‪،‬‬
   ‫‪-‬مع وضعهم ومجتمعهم‬               ‫أفرزه المجتمع المملوكي‬     ‫وهو السر في حفاوة الأمراء‬
   ‫الطائفي‪ -‬وظيفة التوسط‬                                       ‫بالمشايخ ووساطتهم‪ ،‬وسر‬
‫بين الحكام والمحكومين‪ .‬فلم‬         ‫العثماني‪ -‬مع مؤسسات‬        ‫ما أسبغه الأمراء على المشايخ‬
   ‫يعد في وسعهم القيام بها‬          ‫وأساليب وتقاليد الدولة‬     ‫من التعظيم والإجلال‪ ،‬ومن‬
 ‫من داخل تقاليد ومؤسسات‬         ‫الحديثة في الإدارة والتحكم‬
    ‫الدولة الحديثة بدون أن‬      ‫والتدخل في مجريات الحياة‬           ‫الامتيازات المادية الجمة‬
                                  ‫العامة وشؤون المواطنين‪.‬‬        ‫التي لم تكن بلا تأثير على‬
     ‫يقوموا بأدوار سياسية‬           ‫وهي أساليب فض ًل عن‬
  ‫صريحة‪ ،‬تلك الأدوار التي‬           ‫أن المشايخ لا يألفونها‪،‬‬                     ‫معظمهم‪.‬‬
   ‫تمثل في نظر الدولة خط ًرا‬     ‫ولم يستقر وعيهم بها بين‬         ‫مع قدوم الحملة الفرنسية‬
  ‫كبي ًرا في ظل عجز المشايخ‬     ‫تقاليدهم العلمية والسلوكية‬        ‫لم تكن أهم أزمات طائفة‬
                                 ‫أو في علومهم التقليدية‪ ،‬لم‬       ‫المشايخ غرقهم في الترف‬
    ‫عن أدائها‪ ،‬وعدم تهيئهم‬      ‫تكن أساليب الدولة الحديثة‬
     ‫لممارستها‪ ،‬وقلة فهمهم‬          ‫تتواءم أي ًضا مع طبيعة‬           ‫والتحاسد فيما بينهم‬
   ‫لخلفياتها وقواعدها‪ .‬وهو‬         ‫تركيب المجتمع المملوكي‬          ‫والكيد لبعضهم تناف ًسا‬
  ‫ما وقع خلال حكم «محمد‬            ‫الطائفي ووظائف الدولة‬         ‫على المناصب‪ ،‬ولا تمتعهم‬
  ‫علي» بعد صدام بدا وكأنه‬      ‫ووضع الطوائف فيه‪ .‬من ثم‬            ‫بالامتيازات التي أسبغها‬
‫كان محتو ًما‪ ،‬بطله وضحيته‬      ‫لم يكن يمكن لطائفة المشايخ‬         ‫عليهم أمراء المماليك‪ ،‬وما‬
      ‫التاريخي الشيخ «عمر‬          ‫أن تستوعب وتتواءم مع‬          ‫كان يتقاضاه بعضهم من‬
                               ‫أداء وقواعد وأساليب الدولة‬          ‫الطرف الآخر من العامة‬
                    ‫مكرم»‪.‬‬          ‫الحديثة‪ ،‬ولم يكن يمكن‬     ‫مقابل التوسط لهم‪ ،‬أو بتعبير‬
                                  ‫للدولة الحديثة أن تتواءم‬     ‫«الجبرتي»‪« :‬افتتنوا بالدنيا‪،‬‬
   ‫نقيب الأشراف‬                 ‫مع وجودهم كطائفة لم تعد‬           ‫وهجروا مذاكرة المسائل‪،‬‬
                                ‫وظيفتها التوسط بين العامة‬       ‫وممارسة العلم‪ ،‬إلا بمقدار‬
 ‫رغم أن السيد «عمر مكرم»‬           ‫والحكام فقط‪ ،‬بل تغريها‬         ‫حفظ الناموس‪ ،‬مع هجر‬
‫جاور بالأزهر واقتنى مكتبة‬           ‫أوهام موقعها المتوسط‬         ‫العمل بالكلية‪ ،‬وصار بيت‬
 ‫كبيرة لكنه لم يكن محسو ًبا‬    ‫وسيطرتها على العامة بالقيام‬    ‫أحدهم مثل بيت أحد الأمراء‪،‬‬
  ‫على المشايخ‪ ،‬كان بعي ًدا عن‬       ‫بدور سياسي‪ ،‬ومن ثم‬           ‫واتخذوا الخدم والمقدمين‬
                                ‫بالتطلع للمشاركة في الحكم‬        ‫والأعوان‪ ،‬وأجروا الحبس‬
   ‫الاشتغال بالعلم‪ ،‬كما كان‬    ‫عن طريق الشورى كطبقة أو‬        ‫والتعزير والضرب بالكرابيج‬
 ‫بعي ًدا عن الزهد في المنصب‪،‬‬     ‫طائفة «أهل الحل والعقد»‪.‬‬      ‫والفلقة المعروفة بزب الفيل‪،‬‬
                                   ‫وهو ما برز بوضوح في‬             ‫مع عدم سماع شكاوى‬
    ‫وليس بعي ًدا عن نزاعات‬           ‫علاقة المشايخ بالحملة‬         ‫الفلاحين‪ ،‬ومخاصمتهم‬
  ‫وتنافس المشايخ‪ .‬فقد تولى‬     ‫الفرنسية وقائدها «بونابرت»‬     ‫القديمة مع بعضهم بموجبات‬
   ‫منصب «نقيب الأشراف»‬             ‫الذي جعل من استرضاء‬         ‫التجاسد والكراهية المجبولة‬
                                  ‫وكسب ولاء المشايخ هد ًفا‬
    ‫بعد أن أصبح مقر ًبا من‬      ‫ثابتًا ومعلنًا نجح في تحقيقه‬         ‫والمركوزة في طباعهم‬
‫زعيمي أمراء المماليك «مراد»‬                                                     ‫الخبيثة»‪.‬‬

   ‫و»إبراهيم»‪ .‬وأسباب ذلك‬
   ‫كان توسطه بين الأميرين‬
 ‫‪-‬وهما هاربين في الصعيد‪-‬‬

       ‫وبين العثمانيين سنة‬
   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203