Page 193 - merit 49
P. 193

‫‪191‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

    ‫عظيمة فرنسية لاحتلال‬          ‫طريق التحالف مع بكوات‬           ‫الإنجليز المباعين كرقيق‬
  ‫مصر‪ ،‬وتنصحه بضرورة‬               ‫المماليك (وهم القوة التي‬      ‫في حملة «فريرز»‪ ،‬جاءت‬
   ‫وضع حاميات كبيرة على‬          ‫حكمت مصر تحت السيادة‬           ‫تلك الفقرات‪« :‬لا أدري إن‬
                                 ‫العثمانية الإسمية)‪ ،‬لم تكن‬      ‫كان القنصل ‪-‬الفرنسي‪-‬‬
      ‫شواطيء الإسكندرية‪،‬‬       ‫تريد التورط في أي مغامرات‬         ‫دروفتي يعلم الغرض من‬
‫وتحاول إقناعه بقبول قوات‬        ‫قد تسبب غضب العثمانيين‪،‬‬       ‫هذه العلاقات السياسية التي‬
‫عسكرية بريطانية للمساهمة‬       ‫أو تبعد قس ًما من جيشها عن‬        ‫يقولون إن الأساس الذي‬
 ‫في الدفاع عنها‪ .‬وفي رسالة‬       ‫ميدان المعارك الأساسية في‬       ‫ترتكز عليه إنما هو شراء‬
                                                              ‫الأسرى الذين بقوا في حوزة‬
     ‫تالية بتاريخ ‪ 21‬فبرابر‬                      ‫أوروبا(‪.)2‬‬       ‫بعض الأفراد‪ ،‬فإن كثرة‬
     ‫يؤكد القنصل الفرنسي‬        ‫لكن ‪-‬وبالتساوق مع طموح‬            ‫هذه العلاقات‪ ،‬ثم نشوء‬
 ‫رفض «محمد علي» للعرض‬                                            ‫علاقات غير عادية كذلك‪،‬‬
‫الإنجليزي‪ ،‬مستن ًدا إلى أن ما‬       ‫الفرنسيين تجاه احتلال‬         ‫يبدو أنها آخذة في النمو‬
‫لديه من الجند يكفي لتعزيز‬      ‫مصر‪ -‬كانت مطالب الإنجليز‬          ‫باطراد‪ ،‬لمما ينهض دلي ًل‬
 ‫الحاميات الشمالية‪ ،‬وأنه لا‬                                     ‫على وجود تفاهم بين هذه‬
   ‫حاجة له إلى أية مساعدة‬       ‫تدور حول تمكين وجودهم‬          ‫الحكومة في مصر والوزارة‬
                                  ‫العسكري فيها عن طريق‬
                 ‫أجنبية(‪.)4‬‬        ‫التحالف‪ ،‬وهو ما رفضه‬                    ‫الإنجليزية»(‪.)1‬‬
     ‫ويؤكد المؤرخ المصري‬          ‫«محمد علي» رف ًضا مطل ًقا‪،‬‬        ‫رغم ذلك كان للقوتين‬
     ‫المعاصر للأحداث «عبد‬         ‫وحسب ما يرصده المؤرخ‬              ‫الفرنسية والبريطانية‬
  ‫الرحمن الجبرتي» الواقعة‬          ‫«محمد فؤاد شكري» في‬            ‫حساباتهما المختلفة فيما‬
  ‫بقوله‪« :‬وصلت أخبار بأن‬          ‫رسائل القنصل الفرنسي‬             ‫يتعلق بمصر‪ .‬فلم يكن‬
‫عمارة (أسطول) الفرنساوية‬              ‫«دروفتي»‪« :‬فإنه مما‬            ‫الإمبراطور الفرنسي‬
      ‫نزلت إلى البحر وعدة‬         ‫يبدور لي أن الباشا مقتنع‬        ‫«نابليون» يخفي أطماعه‬
    ‫مراكبهم مائتان وسبعة‬         ‫أنه لا يقدر على الركون إلى‬      ‫في العودة لاحتلال مصر‬
  ‫عشر مركبًا محاربين‪ ،‬ولا‬        ‫الصداقة التي يظهرها نحو‬            ‫كمدخل لإقامة الجناح‬
 ‫يعلم مقصدهم إلى أي جهة‬            ‫الإنجليز‪ ،‬فإن هؤلاء إنما‬       ‫الشرقي لاإمبراطوريته‪،‬‬
  ‫من الجهات‪ .‬وحضر ثلاثة‬            ‫يبذلون قصارى جهدهم‬            ‫وخنق الوجود الإنجليزي‬
   ‫من الططر (التتر) المعدين‬                                        ‫في آسيا وتجريدهم من‬
  ‫لتوصيل الأخبار‪ ،‬وبيدهم‬       ‫لتحريضه على اتخاذ خطوات‬          ‫ممتلكاتهم الشرقية‪ .‬وكان‬
     ‫مرسوم ‪-‬من السلطان‬            ‫مضادة لمصالحه وواجبه‪،‬‬          ‫«نابليون» يتحين الفرصة‬
  ‫العثماني‪ -‬مضمونه الأمر‬           ‫وأقسم لي على سيفه‪ ،‬أنه‬     ‫منذ تحقيق انتصاراته الأولى‬
  ‫بالتحفظ على الثغور‪ .‬فعند‬        ‫لما كان يشعر بواجبه نحو‬       ‫في القارة الأوروبية لتنفيذ‬
 ‫ذلك أمر الباشا بالاستعداد‬                                       ‫نيته‪ ،‬وقد صدرت أوامره‬
      ‫وخروج العساكر»(‪.)5‬‬       ‫كرامته‪ ،‬ونحو نظام حكومته‪،‬‬       ‫بالفعل لتجهيز جيش حملته‬
‫طبقا لرسالة لاحقة (‪1811‬م)‬        ‫فقد رفض كل شروط يبدو‬              ‫الثانية على مصر وبناء‬
  ‫لنفس القنصل كان «محمد‬          ‫أنها تستهدف وضعه تحت‬             ‫سفنها‪ .‬وكانت حسابات‬
     ‫علي» يدرك أنه‪« :‬إذا لم‬    ‫حماية الإنجليز»(‪ .)3‬ويضيف‬         ‫إنجلترا بعد فشل حملتها‬
  ‫يكن هناك مفر عن الوقوع‬         ‫قنصل الإسكندرية تفصي ًل‬         ‫على مصر‪ ،‬ثم خيبة أملها‬
 ‫تحت رحمة الباب العالي أو‬        ‫في رسالة لحكومته بتاريخ‬        ‫في حكم مصر بالوكالة عن‬
‫إنجلترا‪ ،‬فإنه يسلم نفسه إلى‬     ‫‪ 10‬فبراير ‪1808‬م أن قطعة‬
   ‫هذه الأخيرة‪ ،‬التي سوف‬             ‫بحرية إنجليزية حملت‬
                                 ‫رسالة إلى «الباشا» تحذره‬
                                  ‫من المجيء الوشيك لقوات‬
   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198