Page 195 - merit 49
P. 195

‫‪193‬‬       ‫الملف الثقـافي‬

‫عمر مكرم‬  ‫برناردينو دروفيتي‬    ‫الشيخ خليل البكري‬                 ‫كتابة عرضحال ليصحبه‬
                                                                 ‫ذلك القابجي معه بصورة‬
 ‫وسخرية المؤرخ «الجبرتي»‬          ‫صدا ًما لا مفر منه‪ ،‬وجهل‬
 ‫تأتي من مصدرين‪ :‬المصدر‬              ‫المشايخ بطبيعة ما قاد‬                    ‫نمقوها»(‪.)8‬‬
‫الأول هو انحيازه لـ»البكوات‬                                       ‫بالطبع كان «محمد علي»‬
  ‫المصرلية” أو المصرية وهم‬        ‫لصدامهم مع «محمد علي»‬         ‫في المرحلة الأولى المشحونة‬
  ‫المماليك الذين حكموا مصر‬         ‫من المتغيرات والتحولات‬      ‫بالأعباء والتوتر من حكمه‪،‬‬
                               ‫والمجريات يشكل جانبًا مه ًّما‬     ‫ومن تأسيسه لدولته‪ ،‬في‬
      ‫قبيل الحملة الفرنسية‬         ‫من تلك القصة‪ ،‬لأنه كان‬        ‫حالة من الاحتياج اليومي‬
  ‫وقضى عليهم «محمد علي»‬           ‫مصد ًرا لتصورات خاطئة‬       ‫الملح للتمويل‪ ،‬وكان التمويل‬
  ‫في مذبحة القلعة (‪1811‬م)‪.‬‬      ‫ارتبطت بها‪ ،‬ولهالات وهمية‬     ‫من خلال الوسائل الضريبية‬
‫والمصدر الثاني‪ :‬هو التصور‬       ‫لا تزال ملتصقة بمجرياتها‪.‬‬        ‫التي تفنن «محمد علي» في‬
                                                                ‫إخضاع المصريين لها؛ هو‬
     ‫المثالي الموروث للمشايخ‬       ‫مشايخ الوقت‬                    ‫السبب الظاهر في علاقته‬
  ‫الذين اتخذوا مواقف قوية‬
    ‫قالوا فيها كلمة الحق بلا‬     ‫“مشايخ الوقت” هو اللفظ‬             ‫بالمشايخ‪ ،‬لكن السبب‬
 ‫تهيب ولا خوف من سلطان‬          ‫الذي استخدمه المؤرخ “عبد‬             ‫المستبطن كان سحب‬
                               ‫الرحمن الجبرتي» (توفي سنة‬       ‫«الباشا» لامتيازات المشايخ‬
    ‫ولا قوة حاكمة‪ .‬وللوهلة‬      ‫‪1825‬م) ليصف به القيادات‬         ‫أنفسهم الماليه والضريبية‪،‬‬
    ‫الأولى يبدو أن مصدري‬        ‫الأزهرية في زمنه‪ ،‬وهو لقب‬         ‫وهو ما توجه في النهاية‬
     ‫سخرية «الجبرتي» من‬                                           ‫باستيلائه على الأوقاف‪.‬‬
‫المشايخ متضاربان في العمق‪.‬‬          ‫يتضمن بعض السخرية‬                ‫لكن السبب التاريخي‬
‫إذ إن الانحياز لحكم البكوات‬    ‫منهم كما لو قلنا‪ :‬مشايخ هذا‬          ‫الأشمل منهما كان هو‬
     ‫المماليك وهم الذين طالما‬   ‫الزمان أو بالعامية المصرية‪:‬‬       ‫اصطدام مجتمع القرون‬
    ‫اشتكى المصريون ‪-‬ومن‬                                       ‫الوسطى المصري بممارسات‬
‫بينهم مشايخ الأزهر ذاتهم‪-‬‬           ‫«مشايخ اليومين دول»‪.‬‬       ‫ومؤسسات الدولة الحديثة‪.‬‬
                                                                 ‫وهو الصدام الذي بدأ من‬
                                                                    ‫قبل مع دخول الجيش‬
                                                              ‫الفرنسي لمصر سنة ‪1798‬م‪،‬‬
                                                               ‫واستؤنف ‪-‬بعد مرحلة من‬
                                                              ‫الفوضى‪ -‬مع مجيء «محمد‬
                                                                ‫علي» لمنصب «الباشا» سنة‬

                                                                                ‫‪1805‬م‪.‬‬
                                                                 ‫ورغم أن مجيء «الباشا»‬
                                                                 ‫لولاية مصر جرى بفضل‬
                                                              ‫علاقته الوطيدة برموز طائفة‬
                                                                ‫المشايخ وقياداتها‪ ،‬وهو ما‬
                                                               ‫ظن المشايخ أنه سبب يكفي‬
                                                                 ‫لإشراكهم في الحكم‪ ،‬كان‬
                                                                ‫الصدام بينهم وبين الدولة‬
                                                                 ‫التي أسسها «محمد علي»‬
   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200