Page 190 - merit 49
P. 190

‫العـدد ‪49‬‬                            ‫‪188‬‬

                              ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬                    ‫حين نقلوا عن علماء حضارة‬
                                                            ‫المسلمين لم ينقلوا تصوراتهم‬
      ‫وشيدت الدعائم الكفيلة‬    ‫أصبحت واق ًعا في عهد أبنائه‬
‫بالقيام به‪ ،‬فيه تأسس الجيش‬     ‫سنة ‪1851‬م‪ ،‬وظل العمل بها‬        ‫وجدلياتهم عن علم الكلام‬
‫المصري‪ ،‬والأسطول المصري‪،‬‬                                         ‫الإسلامي في المقابل ولا‬
                                 ‫ضخ ًما ونش ًطا حتى اكتمل‬       ‫خلافات المذاهب الأربعة‪،‬‬
      ‫والثقافة المصرية‪ ،‬وفيه‬     ‫نم ُّوها سنة ‪1870‬م‪ ،‬بجمع‬
‫وضعت أسس النهضة العملية‬         ‫حوالي ‪ 20‬ألف مخطوط في‬        ‫بل نقلوا منجزاتهم في الطب‬
                                 ‫مبنى «الكتبخانة الخديوية‬   ‫والموسيقى والفلك والسياسة‪،‬‬
  ‫والاقتصادية في البلاد‪ ،‬فهو‬     ‫المصرية»‪ ،‬وظل العمل بها‬
    ‫عصر استقلال وحضارة‬                                        ‫كترجمة كتاب القانون لابن‬
     ‫وعمران»‪( .‬مذكرات عبد‬           ‫حتى وصل عدد الكتب‬          ‫سينا مث ًل وإحصاء العلوم‬
   ‫الرحمن الرافعي ص‪)109‬‬          ‫والمخطوطات إلى ‪ 130‬أل ًفا‬  ‫للفارابي ومؤلفات «جابر ابن‬
        ‫ولهذه الإنجازات ظل‬        ‫في أوائل القرن العشرين‪،‬‬    ‫أفلح» في الفلك والرياضيات‪،‬‬
                                ‫وبالتوازي مع هذه الحركة‬     ‫وأعمال ابن الهيثم في الفيزياء‬
 ‫الأصوليون والمتشددون من‬          ‫العلمية كانت هناك حركة‬        ‫وغيرها‪ ..‬فما فعله الباشا‬
     ‫رجال الدين على موقفهم‬      ‫ترجمة أبرز روادها «كلوت‬        ‫الألباني هنا كان عن وعي‬

   ‫الرافض لمحمد علي‪ ،‬فكانوا‬         ‫بك» (‪1868 -1793‬م)‬           ‫بطريقة تقدم الأوروبيين‬
       ‫دائمي الانتقاد لحقبته‬        ‫و»برون بك» و»يوسف‬            ‫المادية بالأساس‪ ،‬وأعفى‬
                              ‫فرعون» و»يوحنا عنحوري»‪..‬‬           ‫نفسه من الجدل الفارغ‬
    ‫التاريخية لأربعة عوامل‪:‬‬                                  ‫والعبثي بين علماء اللاهوت‬
     ‫‪ -1‬حرب محمد علي على‬                        ‫وغيرهم‪.‬‬          ‫والفقه‪ ،‬الذين لن يفضي‬
  ‫رجال الدين كشيوخ الأزهر‬           ‫كل هذا ساعد في ُصنع‬       ‫سوى إلى مزيد من التكفير‬
     ‫وزعماء الأشراف كعمر‬          ‫وتشكيل «الهوية المصرية‬        ‫والتعصب والانشقاقات»‬
                               ‫الحديثة» التي جاءت بعوامل‬
                     ‫مكرم‪.‬‬         ‫تطور متعددة‪ ،‬واكتملت‬                         ‫انتهى‪.‬‬
       ‫‪ -2‬فتح البلاد لدخول‬         ‫باكتشافات التاريخ وفك‬       ‫بهذا نجح محمد علي باشا‬
       ‫الأجانب بدعوى العلم‬     ‫رموز حجر رشيد والاطلاع‬          ‫في تأسيس مصر الحديثة‪،‬‬
   ‫والتعليم وتأسيس الدولة‪.‬‬        ‫الواسع على تاريخ أجداد‬
 ‫‪ -3‬محاربة الدولة العثمانية‬    ‫المصريين قبل آلاف الأعوام‪،‬‬        ‫بل كان مؤث ًرا للغاية في‬
 ‫وإضعافها والانفصال عنها‪.‬‬          ‫والنظر لما كان عليه حال‬      ‫تأسيس وبناء أمم أخرى‬
        ‫‪ -4‬محاربة الوهابية‬    ‫الدولة في الماضي دون تزييف‬        ‫مجاورة على نفس ال َنهج‪،‬‬
  ‫وإضعاف الحركة الجهادية‬      ‫وقصص خرافية‪ ،‬بل بالوثائق‬         ‫والمطبعة التي أنشأها بين‬
   ‫السلفية الآتية من صحراء‬    ‫والأدلة الأركيولوجية‪ ،‬كل هذا‬     ‫عام ّي ‪1821 -1819‬م كان‬
                                 ‫ساعد ‪-‬مع حركة العمران‬      ‫لها الفضل في صعود الحركة‬
                    ‫العرب‪.‬‬      ‫الضخمة‪ -‬على تشكيل وعي‬           ‫العلمية الناطقة بالعربية‪،‬‬
 ‫‪ -5‬تقديم العلم والثقافة على‬   ‫مصري جديد‪ ،‬وصفه المؤرخ‬       ‫وف ًقا لأن المطبعة التي أنشأها‬
 ‫رجال الدين بما سمح لاح ًقا‬        ‫عبد الرحمن الرافعي في‬     ‫كانت عربية اللغة‪ ،‬فانتشرت‬
 ‫بظهور مصطلح الثقافة ليكن‬      ‫مذكراته بهذا الوصف «يجب‬          ‫المؤلفات والمصنفات بهذه‬
 ‫بدي ًل عن الدين وأشمل منه‪،‬‬        ‫أن نعد عصر محمد علي‬          ‫اللغة لتنافس لغات أخرى‬
  ‫مما أدى لهجران العديد من‬     ‫صحيفة مجيدة من صحائف‬         ‫كانت مكتسحة ميادين العلم‪،‬‬
                               ‫الحركة القومية‪ ،‬ففيه نشأت‬        ‫ثم ظهرت المكتبات بفكرة‬
    ‫رجال الدين طرق التعليم‬    ‫الدولة المصرية الحديثة‪ ،‬وفيه‬
  ‫القديمة والاتجاه إلى الطرق‬      ‫تحقق الاستقلال القومي‪،‬‬          ‫تأسيس «الكتبخانة» أو‬
                                                              ‫دار الكتب سنة ‪1819‬م‪ ،‬ثم‬
           ‫الحديثة ونشرها‪.‬‬
‫لهذه العوامل الخمسة يرفض‬

  ‫الأصوليون محمد علي‪ ،‬فهو‬
‫باعث الحركة العلمية الحديثة‬
   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195