Page 188 - merit 49
P. 188

‫العـدد ‪49‬‬                            ‫‪186‬‬

                               ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬                     ‫ضد روسيا وإيران‪ ،‬وثورات‬
                                                              ‫الانكشارية ضد الباب العالي‬
   ‫الفقرتين من المقال السابق‬             ‫جورج كاستريوتي‬      ‫عامي ‪1808 -1807‬م‪ ،‬فالباب‬
    ‫المشار إليه الجزء الثاني‪:‬‬                                ‫كان مفتو ًحا على مصراعيه أن‬
       ‫«كان قرار محمد علي‬      ‫هو الذي حمل فقهاء المسلمين‬     ‫يفعل ما يشاء دون اعتراض‬
    ‫بإنشاء «دار الهندسة» أو‬     ‫بالماضي على رفض الفلسفة‬
     ‫«المهندسخانة» هو الذي‬       ‫اليونانية والاستعاضة عنها‬       ‫السلطان العثماني‪ ،‬علاوة‬
      ‫سمح للمصريين بتعلم‬        ‫باللغة العربية‪ ،‬والخلاف بين‬        ‫على ذكائه في كسب ثقة‬
                                   ‫مدرستي العقل واللغة في‬
  ‫الجبر والهندسة وأساليبها‬         ‫الفكر الإسلامي مشهور‪.‬‬      ‫الأتراك وتحييدهم تما ًما عن‬
     ‫من المقادير والارتفاعات‬   ‫بدأ محمد علي بإنشاء مدرسة‬        ‫مصر بالحملة ضد الحركة‬
                                                                 ‫الوهابية في شبه الجزيرة‬
   ‫والمساحات والمثلثات‪ ..‬إلخ‬   ‫الهندسة سنة ‪ 1816‬في القلعة‪،‬‬    ‫العربية سنة ‪ ،1812‬ونجاحه‬
      ‫منذ قرون‪ ،‬فمنذ إعلان‬     ‫ثم تبعها إنشاء مدرسة الطب‬        ‫في تدمير الدولة السعودية‬
                               ‫في قصر العيني سنة ‪1827‬م‪،‬‬      ‫الأولى كان هو قربان الصمت‬
   ‫مصر دولة دينية مسيحية‬                                       ‫العثماني عن بدء إصلاحات‬
  ‫في القرنين الرابع والخامس‬         ‫وأنقل لحضراتكم هاتين‬       ‫جوهرية في الدولة المصرية‪،‬‬
                                                              ‫وقرار تحديثها وبناء جيشها‬
     ‫الميلاديين‪ ،‬وتوقف العلم‬                                   ‫وتنميتها عن طريق الخبراء‬
       ‫والإيمان به الذي كان‬                                   ‫والعلماء الأوروبيين» انتهى‪.‬‬
                                                               ‫أما عن بناء الدولة فلم يهتم‬
    ‫ُينظر له على أنه من بقايا‬                                    ‫محمد علي بنقل الفلسفات‬
   ‫أعمال الفلاسفة والزنادقة‬                                    ‫النظرية والعقلية للغرب إلى‬
 ‫والهراطقة خصوم الكنيسة‪،‬‬                                       ‫مصر‪ ،‬بل اهتم بنقل العلوم‬
 ‫فما فعله الرجل بالواقع كان‬                                   ‫التجريبية كالطب والهندسة‪،‬‬
   ‫إحياءة جديدة لعصر العلم‬
   ‫بعد غيابه قبل ‪ 1400‬عام‪،‬‬                                        ‫وفي ذلك حكمة‪ ،‬أن علوم‬
    ‫وقد توسع محمد علي في‬                                      ‫الفلسفة واللغة والعقل تبقى‬
‫إنشاء مدارس الهندسة‪ ،‬فبعد‬
    ‫إنشاء نموذجها الأول في‬                                        ‫حبيسة لظروف نشأتها‬
   ‫القلعة أنشأ مدرسة أخرى‬                                          ‫ومرهونة بتقدم وتطور‬
                                                                 ‫الأمم‪ ،‬والحريات اللازمة‬
      ‫في بولاق سنة ‪1834‬م‪،‬‬                                     ‫للتعبير عنها‪ ،‬وهي في الأخير‬
 ‫وعين عليها «يوسف أفندي»‬                                       ‫مجرد انعكاس لثقافة شعب‬
                                                              ‫وأعرافه وتقاليده التي ‪-‬على‬
    ‫المعروف في كتب التاريخ‬                                       ‫الأرجح‪ -‬من بينها الدين‪،‬‬
    ‫«بيوسف هاككيان» الذي‬                                           ‫الذي بالضرورة سوف‬
    ‫أطلق اسم اليوسفي عليه‬                                     ‫يؤثر على تلك العلوم النظرية‬
 ‫لكونه من أحضر هذه الثمرة‬                                       ‫بما يجعل من فرصة نقلها‬
‫إلى مصر من بلاد أوروبا أيام‬                                     ‫إلى بلد آخر بديانة مختلفة‬
                                                                 ‫أم ًرا غير مأمون العواقب‬
                   ‫البعثات‪.‬‬                                    ‫‪،‬ولا يحصل على ثقة النخبة‬
   ‫توسع محمد علي في إنشاء‬                                      ‫والأعيان‪ ،‬ولعل هذا السبب‬

       ‫المدارس‪ ،‬وينقل جمال‬
   ‫بدوي في كتابه محمد علي‬
    ‫وأولاده «ثم توالى ظهور‬

      ‫المدارس العاليه بخلاف‬
  ‫مدارس الحربية والبحرية‪،‬‬
 ‫فقد أنشأ محمد علي مدرسة‬
   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193