Page 189 - merit 49
P. 189

‫‪187‬‬            ‫الملف الثقـافي‬

‫علي بك الكبير‬  ‫عبد الله الشرقاوي‬  ‫الشيخ همام بن يوسف‬              ‫الألسن بالأزبكية‪ ،‬والمعادن‬
                                                                   ‫بمصر القديمة‪ ،‬والمحاسبة‬
    ‫وقت أهملوا الواقع تما ًما‪،‬‬     ‫عالم المثال الذي عاشوا فيه‬      ‫بالسيدة زينب‪ ،‬والصيدلة‬
     ‫حيث كان الشعب يموت‬           ‫لعدة قرون متصلة وطويلة‪،‬‬
‫بالملايين في الأوبئة والمجاعات‬      ‫تخلف فيها المصريون أيما‬          ‫بالقلعة والزراعة بنبروه‬
  ‫بينما فقهاء المذاهب الأربعة‬    ‫تخلف‪ ،‬وانشغلوا بما لا طائل‬         ‫والتجهيزية الثانوية بأبي‬
                                                                 ‫زعبل والإسكندرية‪ ،‬ثم أنشأ‬
       ‫يك ِّفرون أنفسهم حول‬           ‫منه من خلافات المذاهب‬     ‫مدارس أخرى للفنون والطب‬
   ‫التوسل والصفات الخبرية‬        ‫والأديان العبثية حول رؤيتهم‬       ‫البيطري‪ ..‬وغيرها‪ ،‬فلو لم‬
                                                                    ‫يكن الرجل مؤمنًا بالعلم‬
     ‫والموقف من أهل الكتاب‬         ‫للسماء والغيب‪ ،‬وهي أمور‬      ‫وتحديث الدولة ما الذي دفعه‬
                  ‫والشيعة‪.‬‬             ‫ص َّرح القرآن بأنها علم‬  ‫لإنشاء كل هذه المدارس لأول‬
                                                                   ‫مرة في تاريخ مصر دفعة‬
       ‫هنا محمد علي لم يشأ‬           ‫حصري لله وحق أزلي له‬       ‫واحدة؟ وما الذي جعله ينفق‬
       ‫إدخال رجال الدين في‬           ‫لا ينبغي لأحد غيره‪ ،‬لكن‬      ‫من ثروات مصر على تعليم‬
  ‫متاهة أخرى بين الفلاسفة‬             ‫انشغال البشرية بالغيب‬      ‫أبنائها في الخارج؟ إلا إيما ًنا‬
    ‫وعلماء اللاهوت المسيحي‬       ‫تسبب في تخلفهم ولم يدركوا‬           ‫منه أن ما سينفقه اليوم‬
 ‫ونقد الأديان الذي ميز فترة‬         ‫المعنى الحقيقي من الدين‪،‬‬
  ‫التنوير الأوروبية المتأخرة‪،‬‬     ‫وهو تهذيب النفس والضمير‬              ‫سيجنيه غ ًدا»‪ ..‬انتهى‪.‬‬
     ‫بل رأى أن تنمية الواقع‬          ‫والسلوك كمقدمة لتهذيب‬            ‫وهنا لفتة عامة لتفسير‬
    ‫المادي سوف يقنع رجال‬                                            ‫ما حدث ُذ ِكرت بين ثنايا‬
    ‫الدين المسلمين بضرورة‬                 ‫الواقع على الأرض‪.‬‬      ‫المقال وهي ُتبيِّن بشكل كبير‬
  ‫التغيير‪ ،‬وأن ما يعرفوه من‬        ‫لكن رجال الدين لم ينتبهوا‬     ‫دوافع الباشا الألباني‪ ،‬ولماذا‬
    ‫كتب الفقه والكلام ينبغي‬        ‫لذلك وقدموا المسألة بشكل‬        ‫تصرف بهذا الشكل «كان‬
 ‫أن ُيح َّدث وف ًقا لواقع جديد‪،‬‬   ‫معكوس‪ ،‬فاهتموا بالخلافات‬         ‫محمد علي شخ ًصا (عمليًّا‬
    ‫وبرأيي أن أوروبا تقدمت‬          ‫الغيبية واللغوية والمذهبية‬  ‫براجماتيًّا)‪ ،‬فهو لم يهتم بنقل‬
    ‫بهذه الطريقة أي ًضا‪ ،‬حيث‬        ‫وبالغوا في التضخيم منها‪،‬‬      ‫فلسفة وميتافيزيقا مفكري‬
                                  ‫وتكفير الناس بناء عليها‪ ،‬في‬      ‫أوروبا‪ ،‬ولم ينشغل بكيف‬
                                                                  ‫يرى هؤلاء الدين والله‪ ،‬بل‬
                                                                ‫انشغل بشيء واحد هو كيف‬
                                                                  ‫يستفيد من تجاربهم عمليًّا‪،‬‬
                                                                   ‫وينقل خبراتهم إلى مصر‪،‬‬
                                                                 ‫في سلوك يوحي بأن الرجل‬
                                                                ‫كان يفكر بشكل «يساري» أو‬
                                                                  ‫«شيوعي» بتقديم المادة على‬
                                                                   ‫المثال‪ ،‬أو البناء التحتي عن‬
                                                                  ‫البناء الفوقي‪ ،‬فيكون تنمية‬
                                                                  ‫البناء التحتي والمواد مقدمة‬
                                                                ‫لتهذيب رؤية الشعب ورجال‬
                                                                ‫دينه ومفكريه للحياة بالكامل‪،‬‬
                                                                   ‫وأن يخرجوا بإرادتهم من‬
   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194