Page 191 - merit 49
P. 191

‫‪189‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫المكتبات الحديثة التي كانت‬        ‫إحيائية شتَّى سواء في‬          ‫التي جاءت بها البعثات‬
   ‫ثورة في عهده هو وأبنائه‬     ‫الصناعة أو الفلسفة أو العلم‬   ‫والمدارس الجديدة‪ ،‬التي انقلب‬
  ‫كأول مرة بعد حرق مكتبة‬
                                 ‫التجريبي‪ ،‬حتى في الجانب‬         ‫فيها على الماضي وثقافته‬
 ‫الحكمة في العصر الفاطمي‪،‬‬        ‫الحقوقي ظهرت لأول مرة‬          ‫وطريقته في التفكير‪ ،‬حتى‬
  ‫لكن هذه المرة بمكتبات لها‬   ‫نداءات تطلب المساواة والعدل‬        ‫عندما يقولون إن موقفهم‬
‫فرصة أوسع في الانتشار عن‬         ‫بطريقة جديدة مختلفة عن‬       ‫الرافض لحقبة الرجل سببها‬
‫مكتبة الحكمة التي لم يقرأها‬   ‫التي صاغها القدماء‪ ،‬وأن هذا‬      ‫المذابح البشعة التي ارتكبها‬
                                 ‫الحق يخلو من الازدواجية‬          ‫في حق المماليك –كمثال‪-‬‬
    ‫سوى أقلية نادرة مهتمة‬        ‫ويؤمن بالمساواة التامة في‬     ‫يوجد رد فوري يستعرض‬
 ‫بأمر السلطان‪ ،‬لكن مكتبات‬     ‫الفرص‪ ،‬وأن الناس سواسية‬
                               ‫بشكل حقيقي حتى أن القرن‬             ‫فيه جرائم المماليك ضد‬
    ‫عصر محمد علي وأبنائه‬          ‫الذي ظهر فيه محمد علي‬         ‫الشعب المصري‪ ،‬وكيف أن‬
  ‫فتحت للشعب كي ينهل من‬       ‫تحرر فيه العبيد وظهرت فيها‬       ‫إزالة دولة المماليك هو عمل‬
 ‫ذخائرها وكنوزها‪ ،‬فتحركت‬          ‫حقوق المرأة‪ ،‬ولولا تسيد‬       ‫محمود في ذاته‪ ،‬ولو حدث‬
                              ‫العقل الأوروبي وخروجه عن‬        ‫ذلك بوسيلة قاسية في رأيهم‬
    ‫مشاعر الجمهور وتطور‬         ‫مقاصده القيمية والأخلاقية‬     ‫هي السبيل الوحيد للتخلص‬
  ‫العقل المصري لقبول تنوير‬    ‫ولجوء دول أوروبا لاستعمار‬         ‫من هؤلاء المفسدين‪ ،‬الذين‬
                                                                ‫جثموا على صدور الشعب‬
     ‫محلي‪ ،‬صحيح لم يكتمل‬           ‫الدول الضعيفة بأفريقيا‬      ‫المصري لقرون طويلة دون‬
  ‫لظروف نشر الوهابية بعد‬          ‫وآسيا وأمريكا اللاتينية‪،‬‬     ‫أي أمل لرحيلهم عن البلاد‪،‬‬
  ‫ذلك‪ ،‬لكن الحركة التنويرية‬       ‫ظهرت حركة مقابلة تنقد‬        ‫والأمر الثاني الذي يشرعن‬
 ‫الحالية تبني ‪-‬في جزء كبير‬         ‫هذا العقل وتضع مآلات‬       ‫طريقة إنهاء محمد علي لدولة‬
    ‫من مكوناتها‪ -‬على إنجاز‬        ‫الاستعمار الجديد ضمن‬
‫تنوير الأسرة العلوية‪ ،‬وبرغم‬    ‫أزمة التنوير ومشكلة ما بعد‬         ‫المماليك بهذه القسوة أن‬
 ‫أن الحركة الناصرية ترفض‬                                      ‫نتائج ذلك كانت جيدة بشكل‬
  ‫الاعتراف بهذا الإنجاز لكن‬                      ‫الحداثة‪.‬‬     ‫عام في نهضة مصر وبنائها‬
                                 ‫إن ما فعله محمد علي لهو‬      ‫على الطراز الأوروبي‪ ،‬فلو لم‬
    ‫التاريخ لا ينكره‪ ،‬ويقول‬   ‫إنجاز حقيقي في العلم والبنية‬   ‫يرحل المماليك عن مصر لظلوا‬
   ‫بشكل واضح إن مصر في‬           ‫التحتية والتقويم السلوكي‬
                               ‫والانفتاح‪ ،‬فلولا هذا الإنجاز‬      ‫ُيزاحمون الباشا الألباني‬
     ‫أواخر القرن ‪ 19‬وأوائل‬     ‫ما عرف المصريون الدستور‬            ‫ويخططون للقضاء عليه‬
‫القرن ‪ 20‬كانت أفضل علميًّا‬    ‫ولا الوزارات ولا فكرة فصل‬        ‫واغتياله هو وأبناؤه إذا لزم‬
                                  ‫السلطات عن بعضها ولا‬
   ‫وفنيًّا‪ ،‬ولديها تنوير شرق‬      ‫تأسيس دولة على الطراز‬                           ‫الأمر‪.‬‬
‫أوسطي غير مسبوق‪ ،‬فقدناه‬          ‫العصري الحديث بمحاكم‬              ‫أخي ًرا‪ :‬فالباشا الألباني‬
‫للأسف في لحظات من الجهل‬          ‫منفصلة‪ ،‬ولا عرفت مصر‬         ‫خدمته الظروف بشكل كبير‪،‬‬
                                                                ‫وحقبته الزمنية كان العالم‬
                ‫والغطرسة‬                                      ‫فيها منقسم بشدة‪ ،‬وحركات‬
   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196