Page 204 - merit 49
P. 204

‫العـدد ‪49‬‬               ‫‪202‬‬

                                            ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬         ‫أن يعدل القوانين التي سنت‬
                                                               ‫منذ أجيال تخص العديد من‬
‫دوافع إرسال محمد علي‬            ‫الإستراتيجية‪ ،‬وكذلك كان‬        ‫الطوائف والملل غير المسلمة‪،‬‬
‫للإرساليات العلمية إلى‬        ‫ضم السودان‪ ،‬وحروبه ضد‬            ‫وهذا يؤكد أن هذه الطوائف‬
                              ‫السلطان في بلاد الشام تدور‬     ‫كانت ضمن مشروعه؛ ويشرع‬
       ‫أوروبا‬                ‫في إطار إحياء القوة العسكرية‬      ‫في اتخاذ إجراءات إصلاحية‬
                             ‫للدولة باعتبارها حجر الزاوية‬    ‫في مختلف المجالات في الإدارة‬
   ‫عندما تولى محمد علي باشا‬                                   ‫والزراعة والصناعة والتجارة‬
       ‫حكم مصر ‪ 1805‬كان‬          ‫للإصلاح السياسي فيها‪،‬‬         ‫والبنية الأساسية‪ ،‬بالإضافة‬
                              ‫وأي ًضا أداة للتقدم العمراني‪،‬‬
                             ‫ولعل الفكرة التي دارت برأسه‬          ‫إلى الجيش وما يتعلق به‬
                             ‫يو ًما من الأيام تكشف مراميه‬          ‫من مؤسسات ومصانع‬
                                                               ‫وترسانات‪ ،‬ثم ‪-‬دون شك‪-‬‬
                                  ‫البعيدة‪ :‬فقد صرح يو ًما‬        ‫في التعليم والثقافة‪ .‬وهكذا‬
                                 ‫لبعض خلصائه برغبته في‬           ‫سعي محمد علي باشا إلى‬
                              ‫الوصول إلى الأستانة‪ ،‬وخلع‬            ‫أن يقيم في مصر (دولة‬
                             ‫السلطان‪ ،‬وتولية ابنه الصبي‪،‬‬         ‫نموذجية) حديثة توفر له‬
                                ‫وتنصيب نفسه وصيًّا عليه‬         ‫فرصة إقامة دولة إسلامية‬
                             ‫لتتاح له فرصة إصلاح الدولة‬         ‫قوية‪ ،‬لتكون نموذ ًجا يمكن‬
                                                                ‫تطبيقه على الدولة العثمانية‬
                                                   ‫كلها‪.‬‬         ‫ذاتها‪ .‬وكان اِختيار محمد‬
                                                                ‫علي لمصر كقاعدة لمشروعة‬
                             ‫محمد علي باشا‬                      ‫السياسي ينم عن بعد نظر‬
                                                                ‫ذلك الرجل الذي كان بعي ًدا‬
                                                                ‫عن مجالات الثقافة‪ ،‬ولكنه‬
                                                             ‫كان يمتلك موهبة رجل الدولة‬
                                                                  ‫الذي يدرك أبعاد الظرف‬
                                                                ‫التاريخي ويحسن توظيفه‪.‬‬
                                                               ‫على أية حال‪ ،‬كان محمد علي‬
                                                                 ‫صاحب مشروع سياسي‬
                                                                  ‫نهضوى‪ ،‬يهدف في المقام‬
                                                              ‫الأول إلى بناء قاعدة عسكرية‬
                                                               ‫وسياسية على النمط الحديث‬
                                                                ‫تقي المشرق العربى عدوان‬
                                                                  ‫الغرب‪ ،‬وتسهم في توازن‬
                                                                ‫القوى بين الشرق والغرب‪.‬‬
                                                               ‫ومن ثم كانت حروب محمد‬
                                                             ‫علي في الجزيرة العربية‪ ،‬وبلاد‬
                                                             ‫اليونان‪ ،‬تلبية لدعوة السلطان‪،‬‬

                                                                     ‫تتسق مع تلك الرؤية‬
   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208   209