Page 128 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 128

‫العـدد ‪33‬‬   ‫‪126‬‬

                                              ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬

  ‫الجمالية المشبعة بالروح البلاغية العالية‪.‬‬     ‫ما آتت هذه التجربة المعقدة والثرة من تخليص‬
                                                 ‫للغة الروائية التقليدية من اليابس والمحدودية‪،‬‬
‫المؤرخـ(ة) والتاريخ الذكوري‬
                                                   ‫ومن خروج باللغة الروائية إلى آفاق جديدة‪،‬‬
‫كيف سيكون شكل التاريخ يوم أن تستولي‬             ‫ومن تفجير لينابيع جديدة فيها»‪( .‬بمثابة البيان‬
    ‫المرأة على مقاعد المؤرخين في الجامعات‬
                 ‫والأكاديميات التاريخية؟‬                                    ‫الروائي‪ -‬ص‪)15‬‬
                                                 ‫في هذا الإطار نفسه تورد غادة العبسي مقاطع‬
 ‫كيف سيكون شكل التاريخ وما موقع كل‬             ‫كثيرة تدل على تحكم كبير في الآلة السردية وفي‬
   ‫واحد من كل هؤلاء الفاعلين في التاريخ‬
            ‫حينما يصبح المؤرخ مصطب ًغا‬             ‫الأداة الشعرية التي تضفي على سردها ج ًّوا‬
              ‫بأحد حرفي التأنيث‪ :‬التاء أو‬           ‫مشب ًعا بالدلالة القوية دون تعطيل مسارات‬
                                  ‫النون؟‬
                  ‫كل شيء سينقلب رأ ًسا‬                            ‫الحدث ولا تعرجات الحبكة‪.‬‬
                               ‫على عقب‪.‬‬       ‫«مراكب الصيد تختفي تدريجيًّا عن مرمى البصر‪،‬‬
                          ‫لا ريب في ذلك‪.‬‬
                      ‫غادة العبسي تجيب‬             ‫الأعماق تختطفنا نحو المستقبل‪ ،‬لا أرى الآن‬
                        ‫بأن التاريخ نفسه‬          ‫سوى عيون أبي وأمي الدامعة‪ ،‬ووشاح أخي‬
                           ‫سيكون «أهم»‬        ‫بوليخروني الذي طالما رقص به معي‪ ،‬يلوح لي به‬
                         ‫بكثير‪ ،‬وسيكون‬          ‫على أعتاب كاريستو بحـمـاس‪َ ،‬ي ِع ُد باللحاق بي‬
                            ‫أكثر «إثارة»‪.‬‬
                           ‫بل إن روايتها‬                ‫قريبًا فور حصوله عى شهادة تخرجه‪.‬‬
                               ‫لتقول ذلك‬             ‫تعج رأسي بصور العجائز في بلدتنا‪ ،‬و ُه َّن‬
                          ‫بالصوت الناعم‬           ‫يصنعن ال ِّسـلا َل بأي ٍد مرتعشة‪ ،‬ببيوت التِّنِّبن‬
                  ‫العالي‪ ،‬ودون التخلي عن‬      ‫المنتشرة فوق الجبال والتي طالما اختبأ ُت بداخلها‪،‬‬
              ‫نزعتها الشعرية‪ ،‬ها هي ذي‬         ‫وهرع ُت خار ًجا منها كلما سمعت صو ًتا يخيفني‬
             ‫تورد صورة للعالم الذكوري‬            ‫أتص َّور أنه صوت التِّنِّين العائد‪ ،‬القلعة الحمراء‬
                  ‫يقول في كلمات خفيفات‬            ‫بأحجارها الضخمة وملمسها المميَّز وأحلامي‬
                 ‫كل المآسي التي يختزنها‬          ‫اللمحبيضبتحكية«بأإمتالمايام»‪،‬بناجئاهِما َعةفوأثقيناُرفاوأتوهالبيمتً َّراةأُ أق ِّدغامدهر‬
               ‫تاريخ الأشخاص والماضي‬           ‫فيها كاريستو‪ ،‬وهذا القدر الذي كتب علي السفر‬
                 ‫الافتراضي للشخصيات‪:‬‬
                       ‫«يعود ليتأ َّمل بحر‬                      ‫إلى الإسكندرية أرض الأحلام‪.‬‬
                    ‫الإسكندرية ال َخـل َاب‪،‬‬        ‫كانت ال ُّس ُفن ترحل ك َّل يوم إلى أمريكا وكندا‬
                ‫لونه ورائحته وأهله الذين‬          ‫وأستراليا وبالطبع إلى مصر‪ ،‬حا ِمل ًة الكثـيـر‬
                    ‫أداروا ظهورهم للعالم‬           ‫من جـيـراني وأصدقائي وأقربـائي‪ ،‬لم َي ُعد‬
                 ‫ليح ِّدثوا البحر أو ليشكوا‬      ‫هناك بيت في اليونان بدون مهاجر‪ ،‬مسافرون‬
              ‫إليه‪ ،‬المصريون هنا ‪-‬أو كما‬         ‫كـثـر‪ ،‬تار ًة تحسبهم قرابين لا ُب َّد من تقديمها‬
       ‫ُيس ِّميهم الأوروب ُّيون‪« :‬الفلاحين»‪-‬‬       ‫للآلهة لكي تنصلح الأحوال‪ ،‬وتار ًة تحسبهم‬
           ‫مثل نغمة شاردة خارج السياق‬             ‫فئرا ًنا تهرب قبل غرق السفينة القديمة البالية‬
     ‫صدرت عن عا ِز ٍف بكونشرتو للبيانو‪،‬‬         ‫التي أشبعها القراصنة نهبًا وسرق ًة!»‪( .‬الرواية–‬

                                                                                      ‫ص‪)17‬‬
                                                  ‫أجمل ما في الأمر هو التمكن من التراوح بين‬
                                                ‫السرد الحركي الذي ذكرناه أعلاه وبين النفحة‬

                                                    ‫الشعرية التي تدخل في أي لحظة لكي تزين‬
                                                     ‫المسار السردي بإشعاعاتها الشعرية عالية‬
   123   124   125   126   127   128   129   130   131   132   133