Page 130 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 130
العـدد 33 128
سبتمبر ٢٠٢1
غادة العبسي
وعد «ساكسونيا»
منها مجرد طيف من الكبرياء القديم ،وبرغم ذلك في غضون دقائق ستصل سيارة النقل الكبيرة
كله ،تمني ُت وقتها لو أننا بقينا م ًعا حتى تهرم
الأرائك في بيتنا ونشعر بالحزن والحيرة حين لتحميل أثاث هذا البيت ،وسوف أراه خاليًا تما ًما
نضطر إلى تغييرها! كما رأي ُته للمرة الأولى ،قبل أشهر كن ُت أصعد السلم
وأنا أستمع إلى همس الجارات« :العروسة الجديدة»،
تقريبًا صر ُت أرى هذا المشهد يوميًّا منذ زواجي، وأنا أوشك أن أسمع نبضات قلبه قل ًقا وخو ًفا من ألا
وظلّت تتآكل هذي الأمنية تدريجيًّا ،لم أعد أشعر
بشيء سوى أنني الأريكة ذاتها القديمة المستخدمة تعجبني شقته ..لم أكن أفكر في الفتيات اللائي زرن
اللامنتمية.. هذا البيت كخطيبات ،وكزوجات محتملات من قبلي،
لا أدري لماذا كن ُت بتلك الابتسامة الراضية ،ابتسامة بل أف ّكر فقط في خطط مسبقة لتأثيث بيت لم أره
امرأة تتقبّل كل شيء ولا تعترض أب ًدا على ما بعد ،ألوان الستائر والس ّجاد وطقم الصيني الألماني
وضعه الله في حجرها ،ما فائدة حفل الزفاف؟ وما الذي أريد شراءه ،دهان غرفة النوم هل يكون داكنًا
جدوى شبكة «سوليتير» والنبي يقول (ولو بخاتم
أم فاتح اللون؟ انهمك ُت في استرجاع الرؤيا التي
من الحديد)؟ دع ِك مما ردده الأجداد :حاديها.. زارتني بعد صلاة الاستخارة ،ضوء الشمس يغمر
حاديها دي مئة ناقة مدفوعة فيها.. بيتًا تحت الإنشاء ،أصعد إليه بغير مشقة ،وكامرأ ٍة
كان نظري قاص ًرا وأرتدي النظارات الطبية ،بات مؤمنة بالرؤى الكشفية اعتبر ُتها إشارة رضا من
يقول لي طبيب العيون كلما زرته :كم أن ِت قنوعة! لا الله على تلك الزيجة ،وهذا غمرني بالصفو والهدوء
تعترضين أب ًدا أثناء كشف النظر ،أضع العدسة وراء
العدسة وفي كل مرة تقولين :جميل ج ًّدا ..حتى لو لم وأنا أعلنها له :موافقة!
تكن مناسبة ل ِك ،اطلبي يا ابنتي ما تريدين ولا تقبلي
خطرت ببالي أفكار عديدة وأنا في الطريق إلى هذا
برؤية قاصرة!
ظنن ُت أن الح َب وحده «يك ِفي» ،أجل ..من المؤكد أن البيت لأول مرة ،وبالتحديد عندما رأي ُت أسرة
خفير تقيم خلف محطة تقوية لإحدى شبكات
الحب «يك ِفي» الواحدة منّا على وجهها..
ولكن أترا ُه كان حبًّا؟ المحمول في الشارع المنقسم بين فراغ رملي وأسفلت
لطالما آمن ُت أن الحب لا يمكن أن تحكم على مدى أسود ،محتمين بأكوام الهيش وشجيرات الحنظل،
صدقه في اللحظة الآنية ،يجب أن ينقضي بعض
الوقت ،لا أقول أربعين يو ًما على الطريقة الصوفية، يفترشون أشياءهم البسيطة ،يمارسون حياتهم
ولا عا ًما ونصف بلغة أهل البلد :لا تذم ولا تشكر بشك ٍل عادي دونما أدنى اكتراث للرائح والغادي،
إلا بعد سنة و ٦أشهر! قد يستلزم الأمر في بعض يوجد س ّخان صغير وحبل ملابس وأريكة «»steel
الأحيان عم ًرا بأكمله حتى تكتشف أن ما مضى كان
متهالكة نال منها الزمن والمكان والبشر ،لا تستطيع
حبًّا.. أن تحدد لونها ،قديمة أُفر َغت أحشاؤها من القطن
والإسفنج ونشارة الخشب ،ولكن من المؤكد أنها
كانت آخر صرعة في عصرها ،من المؤكد أنها كانت
رائعة ومصدر للدفء والنعومة ،لا تنتمي إلى هذا
المكان الموحش ،بدت كملكة وقعت في الأسر ،وبقي