Page 135 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 135

‫‪133‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

  ‫الديني الذي هو نوع متخصص‬               ‫تأسيس الدولة الحديثة بعد جلاء‬       ‫البداوة لمصر‪ .‬وعلى عكس الواقع‬
     ‫من الدراسة ُيفترض عق ًل أن‬              ‫الحملة الفرنسية منذ ما يزيد‬         ‫والتاريخ يعتبر الأزهر نفسه‬
                                            ‫على قرنين‪ ،‬كان عقلنا الرجعي‬
   ‫يختاره الإنسان الراشد‪ ،‬وفيما‬                                               ‫ممث ًل للوسطية والاعتدال‪ ،‬وأنه‬
  ‫يبدو غفلت مواثيق حقوق الطفل‬           ‫بطبعه ‪-‬الغارق في ظلمات الخلافة‬         ‫من القوى الناعمة للبلاد‪ ،‬ومثل‬
                                          ‫العثمانية امتدا ًدا للغرق في رمال‬   ‫تلك المزاعم يصدقها حسنو النية‬
      ‫عن الحق في تعليم عام غير‬           ‫الرجعية الدينية وأبوال إبلها منذ‬     ‫والسذج والجهلاء والمتواطئون‪.‬‬
      ‫متخصص حتى سن الرشد‬                   ‫الغزو العربي لمصر‪ -‬كان ذلك‬
    ‫والاختيار حيث تتشكل ميول‬                ‫العقل قد أنتج نظامه التعليمي‬           ‫ولا يمكن الإحاطة بأشكال‬
      ‫الطفل‪ ،‬فيمكنه أن يتخصص‬                                                     ‫وممارسات الاستلاب الديني‬
   ‫باختياره في الدراسة الدينية أو‬       ‫القائم على الحفظ والتلقين والعقاب‬    ‫للدولة الحديثة في مصر‪ ،‬والكثير‬
                                             ‫البدني الرهيب لدرجة الفلكة‬         ‫منه مراوغ ابتداء من التسمية‬
                         ‫غيرها‪.‬‬
     ‫والأزهر مؤسسة دعوية غير‬               ‫في الكتاتيب‪ ،‬وظهرت في بعض‬                ‫الرسمية؛ جمهورية مصر‬
    ‫علمية‪ ،‬تقوم مناهجه التعليمية‬        ‫الجوامع كالأزهر مراكز يلقن فيها‬       ‫«العربية»‪ ،‬وليس انتهاء باعتبار‬
   ‫مدرسية وجامعية على ما قامت‬            ‫الشيوخ طلابهم ما سبق وتلقنوه‬
   ‫عليه منذ الأزل؛ تقديس القدماء‬         ‫عن سلفهم‪ ،‬كما يبثون منقولاتهم‬           ‫ماضي شبه الجزيرة العربية‬
     ‫وكتبهم‪ ،‬تلقين وتلقي وإعادة‬                                               ‫مرجعية ابتداء باعتماد الدستور‬
     ‫إنتاج فتلقي فإعادة إنتاج بلا‬           ‫في أمخاخ الناس‪ .‬هذا لم ُينتج‬
 ‫نهاية‪ .‬وإعادة الإنتاج ‪-‬مع الزمن‬           ‫شيئًا لقرون طويلة إلا التخلف‬           ‫ما يوصف بمبادئ الشريعة‬
 ‫والتكرار والمزايدة‪ -‬تتجه للأسوأ‬         ‫الذي اكتشفنا فداحته على أضواء‬             ‫الإسلامية مصد ًرا رئيسيًّا‬
                                        ‫مدافع الحملة الفرنسية ورعودها‪،‬‬            ‫للتشريع‪ .‬هذا أشد وضو ًحا‬
                 ‫والأكثر تشد ًدا‪.‬‬         ‫ثم بمثل استعارتنا لفكرة الدولة‬
‫وصدر ما قيل إنه قانون «تطوير»‬                                                  ‫في قوانين الأحوال الشخصية‪،‬‬
                                             ‫الحديثة من الغرب‪ ،‬استعرنا‬         ‫والممارسات والقوانين المعادية‬
    ‫الأزهر عام ‪١٩٦١‬م‪ ،‬ربما كان‬          ‫التعليم النظامي العام في المدارس‪،‬‬
     ‫الهدف بالفعل تحديث الأزهر‬           ‫وبدأت مجانية التعليم بالمرحلتين‬          ‫للحريات مثل قانون ازدراء‬
  ‫وتنظيفه من جمود ‪ ١٠٠٠‬سنة‪،‬‬                                                    ‫الأديان‪ .‬حتى المواسم والأعياد‬
 ‫لكن النتيجة جاءت عكسية بحيث‬               ‫الابتدائي عام ‪ ،1944‬والثانوي‬        ‫الدينية تصبح إجازات رسمية‪،‬‬
     ‫يمكن القول إنه قانون تمكين‬            ‫عام ‪ ،1950‬حتى أعلنت مجانية‬         ‫وتتكرس الطاقات لأجل مواسم‬
‫الأزهر(‪)3‬؛ وبمقتضى ذلك القانون‬          ‫التعليم بكل مراحله في عام ‪،١٩٦٢‬‬
    ‫أنشئت للأزهر جامعة بكليات‬           ‫وأقر ذلك في الدستور عام ‪.١٩٦4‬‬             ‫دينية سنوية كالحج وشهر‬
 ‫«علمية» إلى جانب الكليات الدينية‬           ‫في عشوائية الشوارع المصرية‬          ‫رمضان حيث ينقلب كل شيء‬
‫القائمة على الحفظ والتلقين‪ ،‬وقيل‬        ‫تختلط السيارات الحديثة بالقديمة‬       ‫‪-‬حتى مواعيد العمل‪ -‬ليتناسب‬
    ‫المراد تخريج المهندس الداعية‬           ‫والتكاتك‪ ،‬وعربات الكارو التي‬
  ‫والطبيب الداعية! ويكأن الدعوة‬            ‫تجرها دواب ويقودها عربجية‬                 ‫مع الطقوس والعبادات‪.‬‬
   ‫مهمة الدولة المصرية(‪ ،)4‬و َح َم َلة‬     ‫بالعصي‪ ،‬تمسك العقل الرجعي‬             ‫ولا تنكص مؤسسات التعليم‬
 ‫العقل الرجعي على شعرة‪ ،‬تواجد‬                                                ‫والثقافة والإعلام‪ ،‬عن مهمتها في‬
    ‫كليات علمية بالأزهر أتاح لهم‬               ‫بالتعليم الأزهري كتمسكه‬       ‫مقاومة الرجعية الدينية فحسب(‪)1‬‬
‫الجمع بين التعليم الديني الأزهري‬            ‫بالكارو‪ ،‬وكان مفتر ًضا إقرار‬          ‫بل تنوب عن الأزهر ذاته في‬
  ‫والتخرج من كلية علمية‪ ،‬وكانت‬              ‫نظام موحد للتعليم الأساسي‪،‬‬       ‫تكريس الاحتلال الديني الرجعي‬
   ‫النتيجة تخريج الداعية الطبيب‬          ‫وإلغاء التعليم الديني في الكتاتيب‬      ‫لمصر‪ ،‬هذا يبلغ درجة أن تقيم‬
     ‫والداعية المهندس‪ .‬وكالهوس‬             ‫والأزهر‪ ،‬وعلى العكس من ذلك‬         ‫المدارس والجامعات بل وقصور‬
  ‫الرجعي ببناء الجوامع‪ ،‬تكاثرت‬             ‫تضخم التعليم الأزهري وابتلع‬       ‫الثقافة مسابقات لحفظ القرآن(‪.)2‬‬
                                          ‫ما يقال إنه إحصائيًّا ربع أطفال‬
                                            ‫مصر‪ ،‬هؤلاء ُيساقون للتعليم‬       ‫الأزهر؛ التعليم الديني‬
                                                                             ‫الموازي للتعليم العام‪:‬‬

                                                                                ‫لم يكن لدينا نظام للتعليم قبل‬
   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140