Page 137 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 137

‫لا يمكن الإحاطة بأشكال وممارسات‬                                       ‫الطنانة والاختزال والانتقاء‬
 ‫الاستلاب الديني للدولة الحديثة في مصر‪،‬‬                                 ‫والتدليس‪ ،‬وغير ذلك من سمات‬

    ‫والكثير منه مراوغ ابتداء من التسمية‬                                          ‫العقل الرجعي بطبعه‪.‬‬
‫الرسمية؛ جمهورية مصر "العربية"‪ ،‬وليس‬                                   ‫أي أن الخطاب التعليمي في مصر‬
‫انتهاء باعتبار ماضي شبه الجزيرة العربية‬                                 ‫لا يستهدف الحداثة ولكنه يعمل‬
‫مرجعية ابتداء باعتماد الدستور ما يوصف‬
 ‫بمبادئ الشريعة الإسلامية مصدًرا رئيس ًّيا‬                                 ‫لصالح الرجعية الدينية‪ ،‬هذا‬
                                                                           ‫أكثر وضو ًحا في مناهج اللغة‬
     ‫للتشريع‪ .‬هذا أشد وضو ًحا في قوانين‬                                    ‫العربية والتاريخ والجغرافيا‬
‫الأحوال الشخصية‪ ،‬والممارسات والقوانين‬                                    ‫والدراسات الاجتماعية‪ ،‬لكنه لا‬
                                                                         ‫يغيب عن مناهج المواد العلمية‪،‬‬
                           ‫المعادية للحريات‬                            ‫فإن تناولت الطيران مث ًل فالبداية‬
                                                                       ‫لا بد أن تكون من عند عباس ابن‬
‫أن المجد متعلق بالغزو والفتوحات‬      ‫تفتقد لإثبات وجودها التاريخي‪،‬‬      ‫فرناس باعتباره من «علماء» ما‬
       ‫الخاصة بالكيان الرجعي‪.‬‬       ‫وباعتبار أساس الوجود المصري‬        ‫يقال له «الحضارة الإسلامية»(‪)5‬‬
       ‫ومقابل الاحتفاء بمنتجات‬       ‫هو الماضي المقدس رجعيًّا حيث‬          ‫«العظيمة ج ًّدا»‪ ،‬التي تجب ما‬
                                    ‫قدماء العرب جدودنا‪ ،‬وغزواتهم‬          ‫قبلها‪ ،‬وما بعدها‪ ،‬ولا تنس أن‬
     ‫وأعلام ماضي شبه الجزيرة‬                                            ‫ابن النفيس هو مكتشف الدورة‬
     ‫العربية‪ ،‬يخفت حضور ما لا‬          ‫أمجادنا‪ ،‬يسمى الغزو العربي‬         ‫الدموية‪ ،‬وابن الهيثم مكتشف‬
 ‫يخدم الاعتبارات الدينية الرجعية‬     ‫لمصر الفتح الإسلامي‪ ،‬ولا يقال‬       ‫أن العين ترى بانعكاس الضوء‬
    ‫والانتماء للكيان الرجعي‪ .‬على‬      ‫الاحتلال ولكن الفتح العثماني‪،‬‬     ‫عليها من الأشياء‪ ..‬إلى آخر ذلك‬
  ‫مستوى الأعمال الأدبية يقل إن‬                                         ‫من مبالغات‪ .‬وإن كان الدرس عن‬
     ‫لم ينعدم تواجد أعمال كتاب‬         ‫بينما يقال فتح الأندلس لتمدد‬     ‫المطر مث ًل ذكرت الآية‪« :‬وجعلنا‬
 ‫مثل يحيى حقي ونجيب محفوظ‬            ‫الكيان الرجعي باحتلال إسبانيا‬         ‫من الماء كل شيء حي»‪ ،‬وأن‬
     ‫ويوسف إدريس‪ ،‬أو فيكتور‬        ‫والبرتغال‪ ،‬هذا وتعتبر كل غزوات‬         ‫الله هو الذي أنزل من السماء‬
   ‫هوجو وشكسبير‪ ،‬ولا حضور‬             ‫الكيان الرجعي جها ًدا في سبيل‬      ‫ماء بقدر‪ ،‬مع التنويه بمعجزات‬
     ‫لسير عظماء نفعوا الإنسانية‬                                          ‫الخالق‪ ،‬وإن لم يرد مثل هذا في‬
     ‫بفكرهم وفنهم وعلمهم مثل‬            ‫الله‪ .‬وتتكامل مناهج التاريخ‬       ‫الكتاب المدرسي فسوف يقوله‬
‫توماس أديسون ولويس باستير‪.‬‬           ‫وغيرها من الدراسات الإنسانية‬          ‫المدرس‪ ،‬حتى مقدمات الكتب‬
  ‫والمفاهيم التي في التراث العربي‬  ‫مع موضوعات كتب اللغة العربية‪،‬‬       ‫تبدأ بديباجة المشايخ؛ «باسم الله‬
   ‫ما قبل الإسلام هي ذاتها التي‬                                           ‫والصلاة والسلام على رسول‬
 ‫في الخطاب الديني الرجعي‪ ،‬وأن‬            ‫والتعبير والإنشاء‪ ،‬ومناهج‬
  ‫يدرس أطفالنا الآثار والعاديات‬      ‫التربية الدينية التي تقدم الرؤى‬                           ‫الله‪.»..‬‬
  ‫الكلامية لشبه الجزيرة العربية‪،‬‬                                          ‫وفي مناهج التاريخ مث ًل ُيقدم‬
‫مثل أن يدرسوا النصوص الدينية‬           ‫الرجعية بشكل مركز‪ ،‬لدرجة‬         ‫تاريخ مصر الفرعوني والقبطي‬
  ‫وفق الرؤية الرجعية‪ ،‬على الأقل‬    ‫تدريس كتاب منفصل لتمجيد أحد‬           ‫واليوناني والروماني كهامش‪،‬‬
                                    ‫أعلام الكيان الرجعي الذي يكون‬      ‫والمتن هو تاريخ الكيان الرجعي‪،‬‬
                                   ‫غالبًا قائد غزوات مثل سيرة عقبة‬       ‫يقدم أعلامه كنماذج أسطورية‪،‬‬
                                    ‫ابن نافع المقررة حاليًا على السنة‬     ‫منزهة عن الخطأ‪ ،‬دون تمييز‬
                                   ‫الأولى للمرحلة الإعدادية‪ ،‬وفحواها‬    ‫بين الشخصية التاريخية المثبتة‬
                                                                          ‫علميًّا والشخصية الدينية التي‬
   132   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142