Page 138 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 138

‫العـدد ‪33‬‬                           ‫‪136‬‬

                                         ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬

   ‫نماذج مشحونة بقيم ومفاهيم‬             ‫وعود عمه‪ ،‬رغم تكرار تهرب العم‬             ‫يتضافر معها لإنتاج المفاهيم‬
  ‫ماضي الصحراء العربية‪ ،‬نماذج‬               ‫من وعوده‪ .‬هل نود القول فيما‬          ‫ذاتها‪ ،‬مث ًل قصيدة غزل لعنترة‬
                                            ‫وراء إنتاج مثل هذا الفيلم تأثر‬
    ‫مهما بدت جيدة فالمفاهيم اللي‬                                                   ‫بن شداد تحتوي من المفاهيم‬
      ‫تمثلها في النهاية صحراوية‬          ‫بقصة عنترة؟! هل نعتبر هذا مثا ًل‬        ‫القبلية والمفاهيم المتعلقة بالمرأة‬
                                            ‫على المراوغة الشديدة في انتقال‬
 ‫دينية رجعية بل وإرهابية مفارقة‬                  ‫وعمل المفاهيم الرجعية؟!‬           ‫كما في الرجعية الدينية‪ .‬وقد‬
    ‫للحظة‪ ،‬تتكامل مع ما يستقبله‬              ‫في البيتين يقول عنترة لعبلته‬       ‫اس ُت ِغل عنترة‪ ،‬فارس الصحراء‪،‬‬
   ‫الطفل من بيئته خارج المدرسة‬               ‫إنه تذكرها وهو يحارب‪ ،‬انظر‬       ‫بكثافة لتمرير المفاهيم الصحراوية‬
     ‫ومن باقي مؤسسات الثقافة‬                ‫للمبالغة‪ ،‬تذكرها وبيض الهند‪،‬‬
                      ‫والإعلام‪.‬‬             ‫يعني السيوف‪ ،‬تقطر من دمه‪،‬‬              ‫دينية الأصل‪ ،‬سواء في شكل‬
     ‫على هذا فإن تدريس قصيدة‬                                                    ‫سيرة فلكلورية‪ ،‬أو كأحد أعلام‬
                                          ‫أطفالنا يتدربون على اعتياد منظر‬     ‫الشعر الجاهلي‪ ،‬أو كبطل لكثير من‬
 ‫لامرئ القيس أو المتنبي كتدريس‬               ‫الدم الساخن المسفوح في ذبح‬       ‫الأعمال الفنية في السينما والإذاعة‬
    ‫شيء لابن كثير أو ابن تيمية‪،‬‬              ‫الأضاحي‪ ،‬يجتمعون في العيد‬          ‫والتلفزيون‪ ،‬وكمثال نتوقف عند‬
                                              ‫للتمتع بمشاهد الذبح‪ ،‬لاحظ‬         ‫بيتين له مما يدرس للأطفال في‬
  ‫مفاهيميًّا لا فرق‪ .‬وقد نقرر على‬              ‫تكامل المنظومة الرجعية في‬        ‫المدارس ويحفظونه حيث يقول‪:‬‬
    ‫أطفالنا أعما ًل لشوقي وحافظ‬                                                ‫ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني‬
                                         ‫تشكيل الاتجاهات العقلية لأتباعها‬
 ‫والبارودي ومن شابه كمصريين‬                 ‫منذ الطفولة‪ ،‬هكذا يكون إحباط‬            ‫وبيض الهند تقطر من دمي‬
  ‫بالرغم مما في إنتاجهم من اتكاء‬           ‫استبشاع نفوسهم للدم‪ ،‬للذبح‪،‬‬           ‫فوددت تقبيـل السـيوف لأنها‬
‫على تراث نجد والحجاز‪ ،‬واعترا ًفا‬
  ‫بسلامة نواياهم وعبقرياتهم في‬            ‫هذه تمارين للمستقبل‪ ،‬ومن لديه‬              ‫لمعت كبارق ثغرك المتبسم‬
 ‫زمانهم‪ ،‬لكن ماذا ُيراد غرسه في‬          ‫استعداد يمكن أن يطور نفسه من‬              ‫البيتان غزل‪ ،‬يقال له عفيف‪،‬‬
                                         ‫داعم للإرهاب‪ ،‬إلى إرهابي مباشر‪،‬‬            ‫من عنترة في عبلة‪ ،‬محبوبته‬
    ‫أذهان الأطفال الذين يدرسون‬                                                  ‫البيضاء‪ ،‬وهو ابن الأم السوداء‪،‬‬
 ‫طوال مسيرتهم المدرسية النابغة‬                 ‫هكذا تدس المفاهيم الرجعية‬          ‫الجارية أي ملك اليمين‪ ،‬عنترة‬
                                            ‫كالسم في شكل طبق اسمه أبو‬           ‫غير المعترف به ينتزع الاعتراف‬
     ‫الذبياني‪ ،‬وعمرو ابن كلثوم‪،‬‬          ‫الفوارس عنترة‪ ،‬وفي قصيدة غزل‬           ‫عبر تسخير شجاعته وسيفه في‬
     ‫وعروة ابن الورد‪ ،‬والجاحظ‪،‬‬              ‫(عفيف)‪ .‬واستكما ًل لمنظر الدم‬      ‫الدفاع عن القبيلة‪ ،‬وعمه يتنكر له‬
   ‫والبحتري‪ ..‬إلخ؟ لماذا نقرر على‬         ‫الجميل‪ ،‬يقول في البيت التاني إنه‬      ‫ويطلب لعبلة مه ًرا كبي ًرا‪ ،‬كشرط‬
   ‫أطفالنا دراسة منتجات ماضي‬                ‫وهو في الحرب ودمه يقطر من‬             ‫تعجيزي‪ ،‬من النوق العصافير‬
   ‫شبه الجزيرة العربية وتراثه؟!‬            ‫السيوف التي تنهل هي والرماح‬        ‫يعني أفضل الجمال‪ ،‬لامبورجيني‬
     ‫مثل هذا النوع من الدراسات‬            ‫من جسمه‪ ،‬ود لو ُيقبِّل السيوف‬       ‫هاي لاين‪ ،‬ويذهب عنترة لإحضار‬
‫مكانه التعليم الجامعي المتخصص‪،‬‬               ‫لأنها لمعت كأسنان عبلة حين‬          ‫المهر بالإغارة‪ ،‬بالسطو المسلح‪،‬‬
                                                                                ‫بالسيف‪ ،‬يعني غزوة‪ ،‬هذا يحيل‬
                 ‫بالاختيار الحر‪.‬‬                            ‫تبتسم‪.)!!( ..‬‬       ‫للغزوات المنسوبة للرسول صلى‬
     ‫ويبدو تهميش مناهج الفنون‬              ‫ما القيمة الغذائية العقلية لهذين‬
   ‫كالرسم والموسيقا من الأفاعيل‬           ‫البيتين كطبق رئيسي على المائدة‬                       ‫الله عليه وسلم‪.‬‬
  ‫العمقية للعقل الرجعي؛ المدرسة‬          ‫الدراسية لأطفالنا؟! لعلنا كنا نقبله‬    ‫وفي فيلم هاني رمزي «غبي منه‬

         ‫إنتاج عقلي مستعار لبناء‬             ‫على مضض كطبق جانبي‪ ،‬أو‬               ‫فيه» يطلب الأب مه ًرا تعجيز ًيا‬
      ‫الشخصية وإعدادها للتعليم‬             ‫طبق طرشي‪ ،‬على مائدة متنوعة‬         ‫لابنته‪ ،‬ويضطر البطل الغبي للعمل‬
 ‫الجامعي‪ ،‬والعقل الرجعي المهيمن‬             ‫وصحية‪ ،‬إنما الحاصل أن بقية‬
  ‫على مصر يعادي الفن‪ ،‬محصلة‬              ‫أطباق السفرة كلها من هذا النوع‪،‬‬        ‫صبي حرامي مع حسن حسني‪.‬‬
‫الصراع أو حله‪ ،‬أن ُتوضع مناهج‬            ‫هكذا نقرر على أطفالنا في المدارس‬     ‫وفي قصة عنترة ملمح غباء واضح‬
‫فنون شك ًل استجابة للدفع العقلي‬
   ‫المستعار‪ ،‬و ُتهمل و ُته َّمش فعليًّا‬                                          ‫حيث إنه لا يكل من الوثوق في‬
   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143