Page 131 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 131
نون النسوة 1 2 9 لم يكن حبًّا ..أقول ذلك الآن بأثر رجعي..
هذا البيت الذي كأني أراه لأول مرة ،والذي لم
أظنه لم يكن يحتاج إلى عم ٍل سفليّ يسلب الإرداة: أشعر قط بأنه بيتي فع ًل ،البيت الذي يخلو تدريجيًّا
إرادة استمرار الحب والكفاح من أجل بقائه.. الآن ،يكشف ع ّما اختبأ خلف أو تحت قطع الأثاث،
ما فقد ُته ،وانهمك ُت في البحث عنه لشهور فلم أجده،
الجن السفليّ لن يفلح في تصويرها كقرد في عينيه، ها هي قطعة البهرج اللامعة التي التصقت بفستان
غير أنه لن يجبر رج ًل كي يعامل زوجته كسيارته زفافي ،وهذا مشبك شعري الوردي المف ّضل ،طلاء
التي تحتاج إلى (صيانة) دورية ..سيتراجع المخلوق الشفاه الخوخ ّي ..كلها أشياء تخصني وجدتها الآن
الناري عن فكرة إيذائها ،بل يأسف ويحزن إذا فقط عندما حان وقت الرحيل!
وجدها تبكي في دورة المياه ،فهي كثي ٌر ما شعرت زجاجة صغيرة من زيت جوز الهند ،والذي كان
بأنامل من هواء تمشي على ظهرها العاري ،تستطيع يذكرني بعطري وأنا فتاة دون الخامسة عشر،
أن تثق بالجن وتعطيه ظهرها ،أما هو سوف يطعنها جلب ُته معي إلى منزل الزوجية على أم ِل أن يعود إل ّي
صباي بين جدران هذا المنزل ،اختفت الزجاجة بعد
بلا تردد.. أيام قليلة من استقراري به ،لأكتشف اليوم أنها
ربما لو عرف هذا العفريت معاناتها لقضى وقته انزلقت خلف «التسريحة» ،نسي ُت عطري القديم
المس ّخر ضدها يدغدغها كطفل رضيع فلا تكف عن واس ُتب ِدلت ذكراه برائح ٍة أخرى انشغل ُت بها طوال
الوقت لأنها تشبهني :رائحة غلاية الماء الكهربائية،
الضحك! إذ تنبعث منها رائحة ذوبان البلاستيك الذي يوشك
اكتشف ُت أنني بعثرت روحي في هذا البيت ،م ّزقت أن يحترق في كل مرة يصل الماء إلى درجة الغليان
نفسي إلى أشلاء حتى أصير كافية ..كي أحصل على
نظر ٍة راضية ولو لمر ٍة واحدة في عينيه الحزينتين فتنطفئ الغلاية من تلقاء نفسها..
حملوا «التسريحة» بحرص ،وتأمل ُتها مستغرب ًة
دو ًما بلا سبب.. كيف اختر ُت شيئًا كهذا؟! ما أشبهها بزي «المارينز»،
الآن عليّ أن أ ْف ِر َز كتبي وأفصلها عن كتبه ،من بينها بجيوبه السحرية والتي تخفي عن الأعين أكثر مما
تبدي ..قطعة أثاث لا جمال ولا أناقة فيها متعددة
كتب قديمة ج ًّدا بدون أغلفة أو بأغلف ٍة توشك أن الأغراض والأدراج ،أكتشف أنها أي ًضا تشبهني،
تتفسخ إذا امتدت إليها الأيدي« ،مولع بڤاجنر»، تشبه امرأة أرادت أن تفعل كل شيء ،وتعطي كل
كتابي أم كتابه؟ لا يهم ..المهم أن أي لمسة أخرى شيء ،حتى أصبحت مس ًخا ،في أثناء نقلها ،أخذت
لهذا الكتاب سوف تمز ّقه ،اب َق أن َت هنا يا ڤاجنر ،لا الأدراج الفارغة تنفتح الواحد تلو الآخر ،كألسنة
متعددة تستغيثُ ،تحدث صري ًرا من َه ًكا ،منهوبة،
طاقة لك بالرحيل من هنا.. أجل ،هذا ما أشعر به ،كلانا ُن ِهب ،هل لأننا َن ِهب؟
ألملم طقم الصيني الألماني ،أضعه بحر ٍص أقل من قفزت في ذهني «تسريحة» أمي التي كن ُت أتصورها
سابقه عندما أخرج ُته لأول مرة لأضعه في «دولاب طوال الوقت فتاة جميلة ترتدي الـ»ميني جيب»،
الفضيّة» على خلفي ٍة موسيقية مصاحبة من زغاريد بتلك الأرجل الطويلة الرشيقة ،بمنحنياتها الخلابة
خالاتي ،و ُرقية أمي في الس ّر. المرتكزة على الأرض في ثقة..
أذكر أنه تط ّوع لغسل الأطباق ذات يوم ،مرض ُت فيه لماذا اختر ُت «تسريحة» كسيحة بلا أرجل ترتكز
بشدة ،وعند دخولي إليه في المطبخ لكي أشكره قال عليها؟!
لي: ُترى أين ُوضع العمل السفلي؟! هل هنا في غرفة
النوم؟ أم تحت المائدة؟ ربما في غرفة المعيشة التي
-يبدو أن القذر يتراكم في هذا الركن من الحوض،
احرصي على تنظيفه. شهدت أغلب خلافاتنا؟
ضحك ُت بمرارة ولم أستطع أن أزيد على ما قال في
حينه..
لم يكن يعرف أنني اعتد ُت على إزالة هذا القذر عدة
م ّرات في اليوم الواحد ،بل وعدة مرات في أثناء
الغسلة الواحدة ،لم يدرك أن هذا القذر الذي أصابه
بالتقزز يشبه المشكلات التي كانت تقف في طريقنا،
لطالما عكف ُت على إزالتها وتنظيف آثارها دون أدنى