Page 129 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 129
نون النسوة 1 2 7
إن الرمزية الكبرى لاستحواذ المرأة على دفة السرد والأوركسترا بشكل عفو ٍّي ودون قصد! الفقر
هنا مفضو ٌح ـ وس َط الأ َّبهة والفخامة وملابس
هي محاولة إثبات الذات وبالتالي تصحيح أخطاء الأوروبيين باهظة الأثمان .لماذا يريد تيوخاري أن
مفترضة في تاريخ ظل مطو ًل صامتًا لا يقول المرأة يبكي الآن؟ هل لأن الفلاحين ُيشبهون الناس في
مثلما يقول الرجل ،وفي كل هذا المسار محاولة شبه بلده؟ هل لأن ذلك الطفل الأسمر حامل الحقائب
يجرها ج ًّرا يجتهد أن يفعل ذلك بمفرده ولا يظهر
مستحيلة لشق الطريق العسير للأنثى وسط العالم أ َّي امتعاض خشي َة أن ُيحرم أُج َرته التي ينتظرها
بفارغ الصبر؟ أمثال هذا الطفل المسكين يملؤون
الذي يسيطر عليه الذكور..
هياس ،ينتظرون السفن التي توشك عـلى
هاهي ذي غادة العبسي تتخذ دور مؤرخة تتعالى ال ُّرس ِّو ،يصعدون بخ َّف ٍة ليحملوا حصاد
الإسفنج -بعد صيده من الأعماق-
فوق اللغة والحادثة والهواجس التي تسكن الجميع. فوق رؤوسهم الصغـيـرة..
ف َّكر تيوخاري كيف أن
هل هو سرد السارد العالم؟ الإسفنج لن يتع َّذب
بخروجه من الماء،
ربما ..الأكيد هو أنه سرد عالم بمنابع قوة شهرزاد: مثلا يتع َّذب هو
الصياغة الجميلة للعالم: بخروجه من
«ما تح ُك ْمش علينا يا رب! هياس ولو كان
ُق َّو ِة و َصلابة َر ُج ٍل إلا أن فوقية بكل ما أوتيت من
لديها قدرة غر في جسد فتاة ممشو َق ِة القوام، عـلـى أر ٍض
عادية على التَّسلُّط والاستحواذ ،أوشكت أن ُتس ِقط كأنما قفزت من
فريس ًة في شباكها ،تعلَّ َمت أن الأيام لن تـترك لها مئات الجزر المبعـثـرة
رفاهية الاختيار ،وشاهدت كم يستغرق عم ًرا كي في بحر بلاده ،استعاد ما
يتح َّقق للمرء ما يريد ،أرادت أن تخرج من دائرة
قاله له أبوه:
اللعنات بأسرع ما يمكن ،وتترك هذا البيت الحزين الإسفنج أسعد حيوان في هذا
الكوكب ،والأطول عم ًرا؛ لأنه بلا
ولا تعود إليه ،فعقل الأم وقلبها مع طلعت ،الذي رأ ٍس ولا قلب ولا أذرع ولا أرجل،
حتى بعد ذهابه إلى ال ُكتَّاب -ومنه إلى المدرسة -لا مج َّرد ثقوب تختزن أثمن شي َئ ْين في
تستطيع أن َتغ َفل عنه َق ُّط ،وأبوها عا ِم ُل الفابريكة
كأنه في عا َ ٍل آخر ،منذ أنقذته صابرة من البغ ِّي هذا الكون :الماء والهواء..
بالعمل السفلي وهو لا ينقطع عن حفلات أم كلثوم، «بدون أماليا ،أنا مج َّرد كومة من الإسفنج
يا أبي ،تبتلع الوقت والحـسرة»( .الرواية-
ويعود َمسلو َب العقل ،يروي عنه مصطفى أنه
يفعل أشياء غريبة في حفلاتها ،ينتقل بين الابتسام ص)22
إن تأنيث الرواية قضية شائكة لأنها تجعلنا
والبكاء والتصفيق والصراخ كالمجانين ،حتى
نطل على الكتابة من زوايا عديدة؛ وتجبرنا
الشرب لا يفعل به ذلك! كأن عبد العليم مجذو ٌب على أن نتناول القضية من جوانب مختلفة
من مجاذيب السيدة َض َّل طريقه إلى أم كلثوم!». مما يخوض فيه المختصون عادة تحت عنوان
«عناصر تأنيث الرواية» ،والتي ربما يأتي على
(الرواية )244 -243 رأسها انفتاح الشكل أو الحرية أثناء الكتابة؛
حرية قد يكون الجانب الشعري المذكور أعلاه من
في الختام سوف نقول إننا ونحن نقرأ رواية
«كوتسيكا» ن َّطلع على تاريخ العالم كله .مصر، مقوماتها الأساسية.
أوروبا ،الاستعمار ،التجارة الخارجية ،العلاقات
بين الأقليات ،الهجرة ،التاريخ القديم ،هوليوود،
الحرب ،السلام ،الانتقام ،نظريات المؤامرة،
التجاذبات الأيديولوجية ،الصراعات الطائفية..
كل ذلك منظو ًرا إليه من خلال عين مؤنثة كاملة
القوة .عين تغرينا بأن نقول إننا ننظر بعيون نساء
كاملات عقل ودين