Page 201 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 201

‫‪199‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫وجهان‪ :‬الأول يرى القديم‬           ‫والإبداع الفني‪ .‬ولما كان‬       ‫ويعني هذا أن سويف حين‬
      ‫ينهار ولا يرى الجديد‬            ‫الإبداع وما يتخلله من‬         ‫راد هذا الطريق‪ ،‬كان طلعة‬

  ‫ينشأ جنبًا لجنب مع زوال‬       ‫إلهامات من المسائل الغامضة‬            ‫وحده‪ ،‬وكان يمضي فيه‬
      ‫القديم‪ ،‬والوجه الثاني‬           ‫المستعصية على البحث‬          ‫وهو يعلم أنه مؤسس لفكر‬
                                    ‫التجريبي‪ ،‬أدرك سويف‬            ‫علمي‪ ،‬ونهج تجريبي وليد‪،‬‬
   ‫يرى الانهيار ويرى كيف‬             ‫هذه المسألة وحاول أن‬         ‫وأنه حين نشر بحثه ‪1951‬م‬
  ‫ينساب بعض أجزاء القديم‬
 ‫في الجديد ويسهم في بنائه‪.‬‬          ‫يعلل الإبداع تعلي ًل علميًّا‬     ‫كان ينشر عل ًما جدي ًدا في‬
                                    ‫باستخدام الاستخبارات‪.‬‬           ‫مصر وفي غيرها من بلاد‬
    ‫وفي مواجهة هذه الأزمة‪،‬‬       ‫أما عن موقع الكتاب ‪-‬يعني‬         ‫العلم المتقدم‪ .‬وأنه يمضي في‬
 ‫يرى سويف ضرورة إعادة‬           ‫بحث الإبداع‪ -‬لدى أهل العلم‬        ‫طريق لم يكثر فيه السائرون‬
 ‫النظر في التكامل الاجتماعي‬        ‫في مصر وفي غيرها‪ ،‬فإنه‬
  ‫وفي إعادة بنائه على أسس‬       ‫استرعى اهتمام رجال الأدب‬                      ‫نيا ًما أو أيقا ًظا‪.‬‬
 ‫جديدة‪ .‬لذلك يعتقد أن بحثه‬          ‫ورجال النقد الأدبي‪ ،‬كما‬            ‫ويدرك يوسف مراد أن‬
 ‫في الأسس النفسية للإبداع‬       ‫استرعى اهتمام علماء النفس‬           ‫سويف تفرد بهذا الإنجاز‬
                                ‫وعلماء الاجتماع والفلاسفة‪.‬‬         ‫فيثني عليه أو ًل ثم يعدد ما‬
    ‫يلقي بعض النور في هذا‬            ‫ويشترك مراد وسويف‬               ‫تفرد به عمله‪ ،‬ويشير إلى‬
  ‫السبيل‪ ،‬وفي تعبيد الطريق‬        ‫في الإشارة إلى أهمية العلم‬        ‫موقعه في خريطة العلم في‬
    ‫أمام الفنان ليحدد موقفه‬         ‫والفن في تحقيق التكامل‬          ‫مصر‪ .‬أما عن الثناء فيقول‬
  ‫من الواقع الحي‪ .‬ثم يقول‪:‬‬                                              ‫مراد‪« :‬أود أن أقرر أن‬
   ‫«ولقد استعانت الإنسانية‬             ‫النفسي والاجتماعي‪.‬‬          ‫المؤلف قد أعد نفسه أحسن‬
‫منذ القدم بوسيلتين تمكنانها‬           ‫فقد أشار سويف وهو‬            ‫إعداد للقيام بهذا البحث‪ .‬إذ‬
                                      ‫يتحدث عن التكيف مع‬           ‫إنه جمع بين ثقافة فلسفية‬
     ‫من تحقيق التكيف هما‪:‬‬        ‫متغيرات الواقع إلى التكامل‬       ‫عميقة وثقافة أدبية اجتماعية‬
    ‫المعرفة العلمية‪ ،‬والتعبير‬         ‫الاجتماعي‪ .‬فما علاقة‬             ‫واسعة‪ .‬هذا فض ًل عما‬
    ‫الفني‪ .‬وبالمعرفة العلمية‬      ‫التكامل الاجتماعي بالبحث‬            ‫يمتاز به أسلوبه الفكري‬
     ‫عملت على كشف البيئة‬        ‫في الإبداع على أسس نفسية؟‬          ‫من نظام ووضوح وتدقيق‪،‬‬
   ‫الخارجية وتغييرها‪ ،‬أعني‬             ‫بدأ سويف حديثه عن‬               ‫كل ذلك في ضوء منهج‬
     ‫الواقع الخارجي المحيط‬          ‫مبررات بحثه‪ ،‬بما سماه‬            ‫تجريبي موجه»‪ .‬وأما عن‬
                                   ‫أزمة الحضارة المعاصرة‪،‬‬          ‫العمل وأهميته فيقول مراد‪:‬‬
      ‫بالأنا‪ ،‬وبالتعبير الفني‬          ‫وأن هذه الأزمة تهدد‬        ‫إن الفن من حيث هو ظاهرة‬
       ‫عملت على سبر البيئة‬      ‫التكامل الاجتماعي الذي يعد‬          ‫اجتماعية لا يقل أهمية عن‬
    ‫الداخلية وتغييرها‪ .‬كلما‬         ‫الأساس الذي تقوم عليه‬         ‫العلم ولا عن اللغة في تحقيق‬
  ‫تغير العالم الخارجي تغير‬      ‫الحياة في كل المجتمعات عبر‬              ‫معنى التكامل النفسي‬
  ‫العالم الداخلي‪ .‬وهكذا أمكن‬       ‫الأزمان‪ .‬ومرد الإحساس‬           ‫الاجتماعي‪ .‬وهذ ما آمن به‬
  ‫للحضارة أن تنمو وتتقدم‬         ‫بهذه الأزمة هو الخوف من‬            ‫سويف وعمل على تحقيقه‬
‫معتمدة على هذين العنصرين‬         ‫أفول نمط الحياة التي اعتاد‬       ‫فأبرز أثر العامل الاجتماعي‬
 ‫المتكاملين‪ :‬العلم والفن‪ .‬فإذا‬  ‫عليها الناس كل يوم‪ ،‬وبزوغ‬         ‫في تكوين الإطار الذي يضم‬
  ‫كنا نمضي إلى هذا الحد في‬           ‫نمط جديد ليس واض ًحا‬            ‫نشاط العبقري ويوجهه‪،‬‬
   ‫تقدير خطورة الفن وعظم‬          ‫ولا مألو ًفا‪ .‬وموقف الناس‬       ‫وفي إحداث الصراع النفسي‬
   ‫رسالة الفنان‪ ،‬فلا أقل من‬       ‫من هذا القلق الوجودي له‬          ‫الذي سيتمخض عن الإلهام‬
 ‫أن نفرد للإبداع الفني بحثًا‬

                    ‫كهذا»‪.‬‬
    ‫فسويف حين يربط بين‬
   196   197   198   199   200   201   202   203   204   205   206