Page 204 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 204

‫العـدد ‪33‬‬         ‫‪202‬‬

                                                          ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬    ‫الشعر الذي سنبحث فيه‪.‬‬
                                                                         ‫ومعنى ذلك أننا لن نعنى‬
    ‫أن موضوعه هو كيف‬            ‫القصيدة الشعرية ولكن‬                     ‫بالإبداع في القصة ولا في‬
   ‫يبدع الشاعر قصيدته‪،‬‬        ‫على ما يسبقها من عمليات‬                  ‫الأقصوصة ولا في الرسالة‬
  ‫فإن الفرويديين شغلهم‬                                                 ‫ولا في المقال‪ .‬ولكننا سنتجه‬
 ‫السؤال نفسه ولكن ليس‬           ‫وجدانية وعقلية‪ ،‬فيبحث‬
  ‫في الشعر بل في صورته‬           ‫في المنطقة الغامضة من‬                      ‫بالبحث إلى الإبداع في‬
‫العامة‪ .‬ولذلك رأي سويف‬        ‫التفكير ليفسر للناس كيف‬                   ‫الشعر‪ ،‬ونشترط أن يكون‬
 ‫أن يوضح موقفه العلمي‬             ‫ينتج الشاعر قصيدته‪.‬‬                    ‫منظو ًما وإن كنا نعلم علم‬
                                ‫هذا الموضوع ‪-‬الإبداع‪-‬‬                   ‫اليقين أن ليس كل منظوم‬
      ‫مما انتهوا إليه‪ .‬بعد‬      ‫موضوع مطروق منذ ما‬
  ‫مناقشة طويله لمقولاتهم‬          ‫قبل أفلاطون‪ ،‬ونشأت‬                                     ‫شع ًرا»‪.‬‬
  ‫عن الشعور واللاشعور‬            ‫حوله تفسيرات عديدة‪،‬‬                         ‫فسويف بدأ من الكلي‬
‫الفردي والجمعي وخلص‬           ‫وكذا حول طبيعة الشاعر‪،‬‬                     ‫وهو المجال أو الميدان كما‬
   ‫إلى أن «كتاباتهم تبحث‬          ‫ومع ذلك يريد سويف‬                     ‫يسميه‪ ،‬ثم راح يستقصي‬
                               ‫ان يتناوله كما لم يتناوله‬                 ‫حدود هذا الميدان في ذاته‬
      ‫غالبًا في منبع العمل‬      ‫أحد من قبل في ضوء ما‬                         ‫وفي علاقاته‪ .‬فاختار‬
 ‫الفني‪ ،‬في حين أننا نبحث‬        ‫ارتضاه المنهج التجريبي‬                  ‫الشعر ميدا ًنا لعمله العلمي‬
                                ‫في علم نفس الإبداع «إلا‬                  ‫واستقصى حدود الشعر‬
    ‫في كيفية إبداعه‪ .‬نريد‬                                                ‫في تراثنا وفي تراث غيرنا‬
   ‫أن نتبين الإبداع الفني‬          ‫أننا قد تخيرنا لبحثنا‬                  ‫من الأمم‪ ،‬وتعمق في هذا‬
  ‫من حيث هو عملية بين‬               ‫موضوع الإبداع من‬                         ‫الاستقصاء حين نظر‬
  ‫عمليات النشاط النفسي‬            ‫بين سائر الموضوعات‬                         ‫إلى موقع الشعر بين‬
‫المتعددة‪ .‬كيف تمضي هذه‬           ‫محاولين أن نجيب على‬                      ‫الفنون القولية في تراثنا‪،‬‬
 ‫العملية منذ نشأتها حتى‬          ‫هذا السؤال‪ :‬كيف يبدع‬                  ‫وموقعه بين الفنون القولية‬
  ‫نهايتها‪ .‬ومعنى ذلك أننا‬      ‫الشاعر القصيدة؟ سوف‬                          ‫المعاصرة‪ ،‬وغيرها من‬
 ‫لن نفيد كثي ًرا من كتابات‬   ‫نتبع خطوات الشاعر خطوة‬                         ‫الفنون‪ .‬وبعد أن حرر‬
 ‫أصحاب التحليل النفسي‬        ‫خطوة‪ ..‬كل ذلك كيما ننتهي‬                     ‫ميدان بحثه كان عليه أن‬
 ‫في موضوعنا هذا‪ .‬وهناك‬        ‫إلى صورة دينامية لحركة‬                     ‫ينقب تنقيبًا من نوع آخر‬
     ‫سبب آخر يمنعنا من‬         ‫الشاعر في شعره تكشف‬                       ‫وهو تحرير الموضوع من‬
   ‫الإفادة منها أي ًضا‪ ،‬ذلك‬      ‫عن دقائق هذه الحركة‬                      ‫بين الموضوعات التي لا‬
   ‫أن المنهج المستخدم في‬            ‫وأهم خصائصها”‪.‬‬                     ‫حصر لها لمن يريد أن يتخذ‬
‫هذه الكتابات ليس بالمنهج‬        ‫ويبدو أن مسألة تحرير‬                       ‫له موضو ًعا في الشعر‪.‬‬
‫العلمي الدقيق الذي تغذيه‬                                                     ‫فسويف ليس مؤرخا‬
    ‫التجربة أو تقومه بين‬              ‫الميدان‪ ،‬ثم تحرير‬                 ‫للأدب‪ ،‬ولا لغو ًّيا ولا ناق ًدا‬
   ‫الحين والحين‪ .‬إنما هو‬       ‫الموضوع‪ ،‬كما فرض على‬                       ‫من نقاد الشعر‪ ،‬ومن ثم‬
    ‫منهج استدلالي‪ ،‬غالبًا‬       ‫سويف أن يبحث له عن‬                        ‫فإنه يبحث عن موضوع‬
  ‫يمضي فيه أصحابه من‬            ‫موضع في سياق البحث‬                       ‫في الشعر له نسب وشيج‬
‫النتائج التي استخلصوها‬        ‫الجمالي‪ ،‬فرض عليه أي ًضا‬                      ‫بالشعراء وبما ينتابهم‬
‫من مشاهداتهم في ميادين‬         ‫أن يحرر صلته بما قدمته‬                    ‫من أحوال الإبداع‪ ،‬أي أنه‬
 ‫غير ميدان الإبداع الفني‪،‬‬       ‫مدرسة التحليل النفسي‬                        ‫يريد أن يتعرف لا على‬
 ‫محاولين تطبيقها على ما‬
  ‫يشاهدون من وقائع في‬            ‫على يد فرويد وتلاميذه‬
   ‫هذا الميدان‪ .‬ولما كنا قد‬  ‫وأشهرهم يونج‪ .‬وبناء على‬

                               ‫ما انتهي إليه سويف من‬
   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208   209