Page 202 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 202

‫العـدد ‪33‬‬                              ‫‪200‬‬

                               ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬                         ‫أزمة الحضارة‪ ،‬والتكامل‬
                                                                  ‫الاجتماعي من جهة‪ ،‬وبين‬
   ‫ووظيفة الفن وتأثيره على‬       ‫والعلم التجريبي في مجال‬          ‫العلم والفن في بناء التكافل‬
‫المتلقي‪ .‬وكان بدهيًّا أن تنشأ‬      ‫الإبداع يعد واف ًدا جدي ًدا‬
                                                                    ‫الاجتماعي وتشييده من‬
    ‫علوم يتخصص كل منها‬           ‫على علم الجمال‪ ،‬ويشترك‬         ‫جهة أخرى‪ ،‬يعقد صلة قوية‬
  ‫في ميدان من هذه الميادين‪.‬‬       ‫معه في الاشتغال بمسائل‬         ‫بين العلم والفن باعتبارهما‬
‫ومن هذه العلوم علم الجمال‬      ‫الجمال في الفنون‪ ،‬ولكن من‬
 ‫الذي اشتغل بمسألة التذوق‬      ‫منظور مختلف وهو المنظور‬              ‫ركنين متكاملين‪ ،‬ويؤكد‬
   ‫والخبرة الجمالية والحكم‬         ‫التجريبي‪ .‬لذلك يتساءل‬           ‫وظيفة العلم ووظيفة الفن‬
‫الجمالي والقيمة وما إلى ذلك‪،‬‬      ‫سويف عن موضع بحثه‬               ‫في التكيف الاجتماعي‪ ،‬وفي‬
‫أي اشتغل بالتلقي ولم يلتفت‬        ‫التجريبي في هذا السياق‪:‬‬          ‫الحفاظ على بقاء الإنسان‪.‬‬
 ‫إلى الإبداع من حيث طبيعته‬                                         ‫لذلك يلجأ للعلم ومناهجه‬
                                   ‫هل هو بحث من بحوث‬             ‫الجديدة للكشف عن مسائل‬
     ‫ومصادره إلا في مرحلة‬       ‫علم الجمال أو هو بحث من‬          ‫غامضة في الفن مثل الإبداع‬
  ‫قريبة بالنسبة إلى تاريخه‪.‬‬    ‫أبحاث سيكولوجية الإبداع؟‬           ‫وكيفياته وصلاته بالإطار‬
  ‫وهذا هو الذي دعا سويف‬         ‫وللإجابة عن هذا التساؤل‪،‬‬
                                ‫لا يكفي القول إن موضوع‬                ‫الاجتماعي‪ ،‬وينأى عن‬
      ‫إلى أن يتساءل تساؤله‬                                       ‫المناهج التأملية الاستدلالية‪.‬‬
‫السابق عن موضع بحثه من‬            ‫الجمال الفني أو الطبيعي‬
 ‫سياق العلم لاختلاف المنهج‬        ‫هو القاسم المشترك‪ ،‬بين‬              ‫ولأن العلم يفرض على‬
                                  ‫الفلسفة والعلم‪ .‬فالجمال‬        ‫الباحث منط ًقا لا يبرحه أول‬
  ‫واختلاف المجال‪ .‬فإن كان‬          ‫هو الميدان الأوسع الذي‬         ‫خطواته التعرف على مجال‬
‫علم الجمال يعمل في مجالين‬      ‫يضم تحت لوائه موضوعات‬
 ‫هما‪ :‬الإبداع والتلقي‪ ،‬فبحثه‬                                       ‫بحثه وتحديده‪ ،‬والتعرف‬
‫يمثل حلقة في هذا السياق مع‬          ‫كبرى‪ .‬وقد اشتغل علم‬            ‫على أبعاد الظاهرة موضع‬
 ‫اختلافه عما سبق‪ ،‬وإن كان‬             ‫الجمال في مبدأ أمره‬       ‫البحث‪ ،‬والتثبت من حدودها‪،‬‬
                                                                   ‫فقد مضى سويف في هذا‬
  ‫علم الجمال يعمل في مجال‬       ‫بالتذوق‪ ،‬وهو أحد الجوانب‬           ‫الطريق على هدي من هذا‬
   ‫التلقي‪ ،‬فإن بحث سويف‬          ‫الأربعة التي تمثل الظاهرة‬
                                                                      ‫المنطق العلمي‪ .‬ووضع‬
         ‫خارج هذا السياق‪.‬‬           ‫الجمالية وهي‪ :‬الواقع‪.‬‬       ‫الأسئلة عن مجال بحثه وعن‬
     ‫وقد حرص سويف على‬                ‫المبدع‪ .‬النص‪ .‬المتلقي‪.‬‬      ‫موضوعه وعن موضعه من‬
    ‫تتبع مسيرة علم الجمال‬          ‫فالدراسات التي تناولت‬
  ‫أو “الاستطيقا” من منظور‬         ‫الواقع بحثت عن مصادر‬            ‫سياق العلم في هذا المجال؟‬
     ‫الفلاسفة الذين رأوا أن‬          ‫الفن أهي اجتماعية أم‬         ‫ومع أن سويف وضع هذه‬
   ‫الفكر نوعان‪ :‬فكر واضح‬         ‫مفارقة للواقع الاجتماعي؟‬        ‫الأسئلة بهذا الترتيب‪ ،‬فإني‬
     ‫وفكر غامض‪ .‬الأول هو‬           ‫والدراسات التي تناولت‬
    ‫مجال المنطق والثاني هو‬         ‫المبدع تناولت شخصيته‬            ‫أبدا بالسؤال الأخير وهو‬
‫مجال «الاستطيقا»‪ ،‬وقد رأى‬       ‫باعتبارها شخصية مفارقة‬           ‫عن موضع بحثه من سياق‬
 ‫بومجارتن فيلسوف الجمال‬            ‫لطبيعة البشر أو مختلفة‬
 ‫الألماني أن يفرد علم الجمال‬     ‫اختلا ًفا كيفيًّا‪ .‬والدراسات‬       ‫العلم‪ .‬فعلم الجمال يمثل‬
 ‫بدراسة هذا اللون من الفكر‬       ‫الني تناولت النص تناولته‬        ‫من الناحية التاريخية سيا ًقا‬
 ‫أو بدراسة الحس والوجدان‬           ‫من زوايا عديدة سياقية‬
   ‫من حيث إن أعمالهما هي‬            ‫ونصية‪ .‬والأخرى التي‬            ‫تاريخيًّا للبحث في مسائل‬
  ‫جوهر هذا الفكر الغامض‪.‬‬         ‫تناولت التلقي كانت تبحث‬             ‫الجمال سواء في الفنون‬
   ‫وكما ذكر سويف‪ ،‬لما كان‬       ‫عن كيفيات التلقي وأسبابه‬            ‫أو في الطبيعة‪ .‬وهو علم‬

                                                                  ‫من علوم الفلسفة كما قلنا‬
                                                                ‫يقوم منهجه على الاستدلال‪.‬‬
   197   198   199   200   201   202   203   204   205   206   207