Page 203 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 203

‫‪201‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫التجريبية‪ .‬فنحن هنا في‬        ‫يقول إن ميدان بحثه هو‬         ‫الجمال هو كمال الإدراك‬
 ‫مصر خاصة وفي الشرق‬           ‫الشعر ما لم يكن مشفو ًعا‬          ‫الحسي لأنه الوحدة في‬
 ‫العربي عامة إذا تكلمنا في‬
 ‫أي فن آخر سوى الشعر‬              ‫بالتحديد والتدقيق عن‬     ‫التغاير والكثرة‪ ،‬فإن الجمال‬
                                ‫لماذا الشعر‪ .‬كان سويف‬          ‫هو موضوع الاستطيقا‪.‬‬
     ‫أصبحنا غرباء»‪ .‬فعلة‬
‫الاختيار هي التحديد من ًعا‬          ‫كما سبق أن بيَّنا في‬   ‫وانتهي بومجارتن إلى توجيه‬
                                  ‫فقرات سابقة ذا ثقافة‬      ‫علم الجمال لدراسة الجمال‬
    ‫للتشتت‪ ،‬وقدم الشعر‬         ‫مركبة جمعت بين الفنون‬        ‫من حيث التذوق سواء أكان‬
‫وغلبته على الفنون القولية‬      ‫القولية‪ ،‬والفنون الأخرى‬        ‫هذا الجميل في الطبيعة أم‬
  ‫التي تعد حديثة بالقياس‬       ‫من جهة‪ ،‬كما جمعت بين‬        ‫في الفن‪ .‬وهذا هو الفرق بين‬
                                  ‫الفكر والعلم من جهة‬         ‫النقد الذي يدرس الجمال‬
    ‫إلى تاريخ الشعر‪ ،‬وإذا‬    ‫أخرى‪ .‬ولذلك كانت مساحة‬           ‫في الفن‪ ،‬والاستطيقا الذي‬
  ‫كانت هناك بذور نهضة‬             ‫الاختيار عنده واسعة‬         ‫يدرس الجمال في الطبيعة‬
 ‫في التصوير أو الموسيقى‪،‬‬       ‫بين فنون القول والفنون‬       ‫والفن‪ .‬وإذا ما علمنا أن علم‬
                               ‫الأخرى‪ ،‬كما كان منظور‬          ‫الجمال في الفكر المعاصر‬
     ‫فالعهد بها قريب‪ .‬أما‬      ‫الرؤية عنده أشد اتسا ًعا‪.‬‬          ‫لم يعد مجاله التذوق‬
   ‫الشعر فجذوره ضاربة‬          ‫فقد زودته الفلسفة بعقل‬          ‫فقط‪ ،‬بل امتد إلى دراسة‬
  ‫في الأعماق‪ .‬وهذا فرض‬         ‫نقدي فعال‪ ،‬وزوده العلم‬          ‫الإبداع من حيث طبيعته‬
                              ‫بعقل علمي منظم‪ ،‬وزودته‬        ‫ووظيفته‪ ،‬أدركنا ما يقصده‬
    ‫عليه أن يحدد مفهو ًما‬    ‫الفنون بفهم أعمق لطبيعتها‬        ‫سويف بموضع بحثه من‬
‫إجرائيًّا للشعر الذي سوف‬         ‫وطبيعة مصادرها‪ .‬من‬            ‫سياق البحث التاريخي‪.‬‬
                               ‫هنا لم يكن ليفرط في حق‬             ‫يقول‪« :‬وبالجملة فقد‬
   ‫يجري عليه البحث‪ ،‬بعد‬         ‫العلم فيختار جزا ًفا‪ ،‬ولم‬     ‫امتد الاستطيقا عند بعض‬
  ‫أن عرض مفاهيم الشعر‬        ‫يكن ليفرط في حق الفلسفة‬       ‫المحدثين حتى شمل المشاهد‬
‫منذ أرسطو مرو ًرا بتراثنا‬        ‫فيهمل النظر الكلي‪ ،‬ولم‬    ‫والفنان وما يبدع‪ .‬وعلى ذلك‬
‫النقدي القديم حتى ثقافتنا‬     ‫يكن ليفرط في حق الفنون‬          ‫يكون بحثنا هذا استطيقيا‬
                             ‫فينحاز إلى فن دون فن بلا‬       ‫بهذا المعنى الواسع الحديث‪.‬‬
     ‫المعاصرة ليخلص إلى‬          ‫مبرر أو سبب‪ .‬وهذا ما‬          ‫أما إذا قصرنا الاستطيقا‬
   ‫علة اختيار هذا المفهوم‪،‬‬     ‫وجدناه في تبرير اختياره‬     ‫على مدلوله التقليدي‪ ،‬فبحثنا‬
  ‫وفي الوقت نفسه إلى علة‬       ‫الشعر مجا ًل لبحثه دون‬          ‫خارج عن نطاقه حتما»‪.‬‬
   ‫اختيار الشعر من دون‬                                          ‫وسواء أكان هذا البحث‬
                                       ‫الفنون الأخرى‪.‬‬           ‫استطيقيا أم خار ًجا عن‬
         ‫غيره من الفنون‪.‬‬           ‫يقول‪« :‬سنقصر إذن‬          ‫هذا النطاق‪ ،‬فإن البحث في‬
  ‫يقول سويف‪« :‬لا نبحث‬            ‫مجال بحثنا على الشعر‬          ‫الإبداع الفني هو المقدمة‬
                               ‫من دون الفنون عامة‪ .‬لا‬       ‫الأولى لكل بحث استطيقي‪.‬‬
    ‫هنا عن تعريف للشعر‬        ‫لشيء سوى تحديد ميدان‬           ‫ولذلك حرص سويف عبر‬
 ‫أرتضيه‪ ،‬فربما كانت هذه‬        ‫البحث بقدر الإمكان دف ًعا‬    ‫تساؤلاته المنهجية أن يجيب‬
                                 ‫للتشتت‪ .‬ثم لسبب آخر‬        ‫عن تساؤلين هما‪ :‬ما ميدان‬
   ‫المحاولة في هذا الموضع‬        ‫خارج عن إرادتنا وهو‬             ‫بحثه؟ وما موضوعه؟‬
   ‫المبكر من البحث ضر ًبا‬     ‫حدود تراثنا الذي سنعتمد‬         ‫ولا يكفي عند سويف أن‬
‫من المصادرة غير المقبولة‪.‬‬      ‫عليه عند القيام بدراستنا‬
    ‫هذا إلى أنها ليست من‬
   ‫صميم بحثنا وإن أمكن‬
 ‫أن تقام على أساسه‪ .‬المهم‬
‫أننا نقصد إلى هذا التحديد‬

     ‫كيلا نهيم في صحراء‬
    ‫ليس لها تخوم‪ ،‬ونقرر‬
‫أننا نرتضيه تحدي ًدا لميدان‬
   198   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208