Page 214 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 214

‫العـدد ‪33‬‬         ‫‪212‬‬

                                                                    ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬  ‫الكتاب مراجعة مه ّمة لكثير‬
                                                                                  ‫من مقولات علماء التحليل‬
  ‫عنها «ليحلّقوا» في عوالم‬            ‫غيرهم‪ -‬فكرة «الوحي‬                         ‫النفسي والمنشغلين بقضايا‬
  ‫الإبداع‪ .‬وذلك وهم كبير‬            ‫الإلهي» وراء ما يبدعون‬                        ‫الإبداع في الثقافة الغربية‪،‬‬
                                  ‫من شعر وأ ّنهم فئة خا ّصة‬                      ‫وفيه مقاربة تجريبية لمنشأ‬
    ‫يستلزم تفني ًدا مط ّو ًل‪.‬‬                                                     ‫العبقر ّية ينطلق من تص ّور‬
 ‫ور ّبما نستطيع أن نستهل‬              ‫من البشر لا يشبهون‬
  ‫التفنيد بسؤالين‪ :‬إذا كان‬            ‫أح ًدا سواهم حتّى قال‬                          ‫سويف «تص ّدع النحن»‬
                                   ‫أحمد شوقي «أنتم النّاس‬                           ‫ثم «الحركة نحو الآخر»‬
  ‫شياطين عبقر مسئولين‬              ‫أ ّيها الشعراء»‪ ،‬وتغنّى على‬                     ‫والرغبة في تقاسم الإبداع‬
        ‫عن إلهام الشعراء‬             ‫محمود طه قائلا «هبط‬
                                   ‫الأرض كالشعاع الند ّي‪/‬‬                                             ‫معه‪.‬‬
       ‫فمن يلهم الروائيين‬          ‫بعصا ساحر وقلب نب ّي»‪.‬‬                        ‫حركة العبقري عند سويف‬
 ‫والمسرحيين والفيزيائيين‬          ‫وقد ذهب بعض العرب إلى‬
  ‫والكيميائيين والرسامين‬          ‫أ ّن لك ّل شاعر كبير شيطا ًنا‬                     ‫تبدأ من تص ّدع «النحن»‬
                                  ‫يلهمه أشعاره‪ ،‬وأ ّن الملتقى‬                        ‫وتنطلق نحو استعادتها‬
       ‫والن ّحاتين وغيرهم‬          ‫الرسمي لهؤلاء الشياطين‬                          ‫في «تنظيم جديد»‪ .‬ويهت ّم‬
    ‫من المبدعين العباقرة؟‬        ‫والج ّن هو وا ٍد ُعرف بوادي‬                       ‫سويف اهتما ًما خا ًّصا في‬
   ‫وإذا كان شياطين عبقر‬               ‫«عبقر»‪ ،‬وهو «موضع‬                           ‫تفسيره العبقر ّية في ال ّشعر‬
                                    ‫بالبادية كثير الجن» كما‬                         ‫بر ّدها إلى «الإطار» الذي‬
       ‫مسئولين عن إلهام‬              ‫وصفه ابن منظور (من‬                              ‫يحمله ال ّشاعر‪ .‬يبدو أ ّن‬
  ‫الشعراء فماذا يفعل أهل‬          ‫هنا جاءت كلمتا «العبقري»‬                         ‫سويف يقصد بالإطار ما‬
   ‫الغرب بمقررات الكتابة‬          ‫و»العبقرية» في وصف ك ِّل‬                           ‫يل ّم به ال ّشاعر من آثار‬
                                   ‫ما ُيراد المبالغة في مدحه)‬                       ‫شعراء سبقوه‪ ،‬ويقتبس‬
               ‫الإبداعيّة؟‬         ‫فمن ذهب إلى هناك م ّسته‬                           ‫سويف كلام البلاغيين‬
     ‫سؤال ثالث مه ّم‪ :‬هل‬            ‫الشياطين فصار شاع ًرا‪.‬‬                         ‫العرب القدامى عن أه ّميّة‬
   ‫يستطيع مواطن عادي‪،‬‬              ‫ثم نسبوا إِلي ذلك الوادي‬                        ‫الرواية والدراية بال ّشعر‪.‬‬
     ‫مكتمل الحواس‪ ،‬جيّد‬              ‫‪-‬والكلام لابن منظور‪-‬‬                           ‫ث ّم يجتهد سويف في ح ّل‬
   ‫التعليم‪ ،‬موفور الصحة‪،‬‬         ‫«ك ّل شيء تع ّجبوا من ِح ْذ ِق ِه‬                ‫معضلة التلقائيّة والإراد ّية‬
       ‫حا ّد النظر ‪-‬أو حا ّد‬       ‫َأو َج ْودة صنعته وقوته»‪.‬‬                        ‫‪-‬أو «عفو البديهة» و»ك ّد‬
 ‫البصيرة‪ -‬سو ّي الفطرة‪،‬‬               ‫ويبدو أ ّن هذه الرواية‬                     ‫الرو ّية» بعبارة التوحيدي‪-‬‬
 ‫سليم العقل‪ ،‬رقيق القلب‪،‬‬                                                         ‫في عملية الإبداع وينتهي إلى‬
‫حسن اللغة‪ ،‬أن يتعلّم كتابة‬               ‫هي تعريب روايات‬                           ‫أ ّن الإبداع الشعري مزيج‬
  ‫الشعر من غير أن تم ّسه‬             ‫عرائس الشعر ‪Muses‬‬
‫شياطين «عبقر»‪ ،‬ومن غير‬                                                                      ‫منهما وبينهما‪.‬‬
   ‫أن ينجرف أو ينحرف؟‬              ‫أو ر ّباته (ومن هنا جاءت‬                       ‫وهذه شجون يثيرها كلام‬
    ‫سؤال الإبداع ال ّشعري‬             ‫كلمة موسيقى ‪music‬‬
  ‫سؤا ٌل قدي ٌم جديد‪ ،‬يجيب‬                                                          ‫سويف المه ّم عن الإبداع‬
  ‫عنه بعضهم بالتحيّز إلى‬             ‫ومشتقاتها) اللاتي ك ّن‬                                       ‫الشعري‪.‬‬
    ‫موهبة فطر ّية لا تسنح‬         ‫يهبطن على شعراء اليونان‬
   ‫إ ّل لنفر من «الموهوبين»‬                                                           ‫وادي عبقر‬
 ‫من بني الإنسان‪ ،‬ويجيب‬             ‫من جبال الأولمب فتلهمهم‬
  ‫عنه غيرهم أ ّن الشاعر لا‬                                                          ‫يطيب لكثير من الشعراء‬
  ‫« ُيو َلد» بل « ُيص َنع»‪ .‬ولا‬  ‫أشعارهم‪ .‬ر ّبما لهذا السبب‬                        ‫أن يص ّدقوا ‪-‬وأن يص ّدق‬
‫بأس في التو ّسط بين هذين‬          ‫ُيقبل كثير من المبدعين على‬
   ‫الطرفين في الإجابة عن‬
                                   ‫المخ ّدرات والمسكرات وما‬
                 ‫السؤال‪.‬‬         ‫إليها وما حواليها وما ينجم‬
   209   210   211   212   213   214   215   216   217   218   219